حذرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية من أن وراء تهديدات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالنووي خلال الأيام القليلة الماضية، تكمن حقيقة مقلقة بشكل متزايد وهي أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا كانت نكسة أخرى لجهود الحد من الأسلحة النووية، لتترك العالم أقل أمانا.
وفي المقال الافتتاحي لصحيفة "واشنطن بوست "عبر موقعها الإلكتروني، أشارت إلى أن الاتفاقيات حول الأسلحة النووية أصبحت شبه منعدمة، فمعاهدة 1987 للقوات النووية متوسطة المدى، الأولى من نوعها التي أقصت طرازا كاملا من الأسلحة النووية، انتهت بالفعل في 2019 بعد انسحاب الولايات المتحدة منها، وفي 2020 انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية السماوات المفتوحة، وهي اتفاقية لبناء الثقة تسمح للدول الموقعة عليها بإجراء رحلات استطلاعية قصيرة المدى فوق أراضي بعضها البعض، ورغم أن المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية تم تمديدها مع روسيا من قبل الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلا أن صلاحيتها تنتهي بعد 4 أعوام.
وأضافت الصحيفة أنه مع الحوار الجاري مع موسكو حول "الاستقرار الاستراتيجي"، كان هناك أمل في إحياء مفاوضات حول الأسلحة النووية، بما في ذلك التوصل إلى معاهدة أخرى بشأن القوة النووية متوسطة المدى، واتفاقية أوسع نطاقًا حول الأسلحة النووية التكتيكية أو قصيرة المدى، والتي لم تشملها المعاهدات السابقة، والتقنيات الجديدة مثل المركبات الانزلاقية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وتطوير روسيا لصاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية.
لكن محادثات الاستقرار الاستراتيجي توقفت الآن بسبب الأوضاع في أوكرانيا، وهو ما يعني أن المفاوضات حول الحد من الأسلحة النووية لن يتم استئنافها في أي وقت قريب، بحسب الصحيفة، والأخطر من ذلك أن رئيس بيلاروسيا ألكساندر لوكاشينكو حليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، دفع مؤخرا نحو تغييرات دستورية تهدف إلى التخلي عن التزام بلاده منذ التسعينيات بأن تظل غير نووية، وهو ما يتيح لروسيا احتمالية نشر أسلحتها النووية في بيلاروسيا، والتي تقع على الحدود مع بولندا وليتوانيا ولاتفيا، أعضاء حلف الناتو .
وعلى جانب آخر، فأنه بدون مفاوضات الحد من التسلح، لن يكون هناك أي فرصة لاستكشاف احتمالية الاتفاق مع الصين، والتي رفضت مسبقا الانضمام للمحادثات الخاصة بتقييد أسلحتها النووية، مضيفة أنه مع تصاعد الطموحات الاستراتيجية لبكين كما ظهر العام الماضي في سلسلة من التقارير حول ارتفاع كبير في أعداد صواريخها الباليستية العابرة للقارات، فإن جلب الصين إلى طاولة المفاوضات الآن أصبح أصعب من أي وقت مضى.
وأشارت الصحيفة إلى أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بكل تأكيد ستغير من شكل المشاورات الجارية في الإدارة الأمريكية حول مراجعة الوضع النووي، وهو عبارة عن إعادة تقييم دورية لدور الأسلحة النووية في الاستراتيجية الدفاعية الشاملة للولايات المتحدة، لافتة إلى أنه جاري أيضا إجراء مراجعة للصواريخ الدفاعية، منوهة أن ضغوط أزمة أوكرانيا ستدفع كلا التقييمين إلى نتائج أكثر تشددا.
ومن ناحية أخرى، فإن الحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها على الحد من التسلح بشكل عام، فمثل هذه الاتفاقيات مُفيدة في تقييد استخدام الأسلحة الخطيرة بطرق يمكن التحقق منها، لكن في الوقت نفسه فإن هذه المعاهدات والمفاوضات تعتمد على الإرادة السياسية والثقة المتبادلة بين الأطراف المُنخرطة، والتي اختفت الآن بالكامل في حالة روسيا، وطرحت الصحيفة سؤالا حول ما إذا كان مجلس الشيوخ الأمريكي قد يُصدق على أي معاهدة مع بوتين بعد ما حدث في أوكرانيا، مُجيبة على سؤالها بالنفي.