الحرب الدائرة فى أوكرانيا لها جذور قديمة، يحملها أرشيف الصحافة وتاريخ الصراعات، ومنذ بدأت روسيا حربها فى أوكرانيا فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات اقتصادية على روسيا، حيث تم استبعادها من نظام التحويلات البنكية «سويفت»، وتبنى الاتحاد الأوروبى المزيد من العقوبات ضد الأفراد والكيانات الروسية، ومنهم أثرياء مقربون من الرئيس الروسى، خضعوا لتجميد الأصول والممتلكات ومنعوا من السفر، مع حظر صادرات إلى روسيا وحظر استيراد بعض المنتجات منها، روسيا أعلنت أنها تواجه العقوبات بالمزيد من الإجراءات، مثل تغيير عملة التبادل مع الصين والهند أو سداد ديون ومدفوعات بالروبل.
العقوبات امتدت إلى المجال الرياضى، فقد تم إلغاء استضافة سان بطرسبرغ لنهائى دورى أبطال أوروبا فى كرة القدم لصالح باريس، والنظر فى رعاية غاز بروم الروسية للاتحاد الأوروبى لكرة القدم «يويفا»، بأربعين مليون يورو سنويا، وألغيت جائزة روسيا الكبرى للفورمولا واحد، مع دعوات جدية لشطبها من تصفيات مونديال 2022، ورفضت بولندا والسويد وجمهورية التشيك مواجهة منتخباتها لمنتخب روسيا فى المباريات المؤهلة للمونديال، وقرر الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا» عدم إقامة أى مسابقة دولية فى روسيا.
وما تزال هناك مناقشات وردود عن مدى قدرة العقوبات على إيذاء روسيا، وفى الوقت نفسه دخلت أسماء مشاهير ومنتجات ضمن العقوبات، لكنها وصلت إلى أسماء مفكرين وأدباء، حيث نشر موقع سبوتنيك الروسى، أن جامعة أمريكية حذفت اسم الفيلسوف والاقتصادى الألمانى كارل ماركس من غرفة الدراسة المخصصة له بسبب الصراع فى أوكرانيا، والواقع أن كثيرين استبعدوا صدور مثل هذا القرار، لكن سبوتنيك نقل عن تقرير لمحطة ABC 4 News الأمريكية، أن جامعة فلوريدا اعتبرت أنه من المناسب إزالة اسم كارل ماركس من غرفة الدراسة بسبب الصراع الدائر فى أوكرانيا، مشيرة إلى أن اسم كارل ماركس كان مع أسماء بنيامين فرانكلين وويليام شكسبير ومارتن لوثر كينج جونيور على غرف مجموعات الدراسة الأخرى، لكن الخبر أثار تعليقات بين النفى والتأكيد، خاصة أن ماركس ألمانى وليس روسيًا، وأنه كان رمزًا للنظام الشيوعى فى الاتحاد السوفيتى لكنه يعتبر مفكرًا عالميًا أثر فى العالم كله وفى التيارات الاشتراكية فى أوروبا، ويدرس منهجه ونظرياته فى كل جامعات العالم.
نفس الجدل سبق وحدث فى بداية الحرب عندما قررت جامعة ميلانو بكوكا الإيطالية منع تدريس أدب الكاتب الروسى الشهير فيودور دوستويفسكى، تضامنًا مع أوكرانيا، وهو ما أثار الجدل بين الأوساط الثقافية والسياسية فى أوروبا، خاصة بريطانيا، حيث أعلن عدد من المثقفين والسياسيين غضبهم، معتبرين أنه ليس هناك علاقة بين دوستويفسكى والغزو الروسى لأوكرانيا، الأمر الذى دفع إدارة الجامعة إلى التراجع عن قرارها، بعد أن وصفه برلمانيون بريطانيون بأنه نوع من الجنون، بل واعتبروا أن دوستويفسكى، ربما يكون مطلوبًا.
والواقع أن إدخال الأسماء فى العقوبات تعتبر نوعًا من الكيد السياسى، وتنم عن مواقف فردية أكثر منها جماعية، وما زلنا نتذكر أن فرنسا عندما رفضت تأييد الغزو الأمريكى للعراق فى عام 2003، وهددت باستخدام «الفيتو»، واعتبر الأمريكيون موقف باريس عدائيًا، وهو ما انعكس على سلوك الشعب الأمريكى الذى تبنى سياسات معادية لكل ما هو فرنسى لدرجة أنهم غيروا اسم البطاطس الفرنسية من «فرنش فرايز» إلى «فريدم فرايز» من أجل مسح اسم فرنسا من على البطاطس، وعجزوا عن تنفيذ ذلك وبقى الاسم، وطالبوا بوقف استيراد المنتجات الفرنسية لكنها بقيت مجرد شعارات لم يتم تنفيذها، مثلما يجرى مع ماركس ودوستويفسكى، اللذان يثير ورود اسميهما السخرية، لكنه يكشف كيف يمكن للحرب أن تصل إلى مستويات مثيرة للسخرية والجدل، لتنتقل من روسيا إلى ألمانيا، وتبقى الدعاية جزءًا من حرب تحمل الكثير من المخاوف النووية والبيولوجية، وتصل إلى أديب ومفكر فى القرن التاسع عشر.
اليوم السابع