من الصعب إعادة اللغات المنسية أو ما يمكن الإشارة إليه باللغات الميتة، فالأمر يصبح أكثر صعوبة عندما لا تعرف الكلمات ولا الإشارات التي تم تسجيل الكلمات بها، وعلى الرغم من التقدم في الذكاء الاصطناعي، هناك الكثير من النصوص من الهند إلى أوروبا التي لا تزال تثير إعجابنا بحكمتها القديمة.
كرست سيلفيا فيرارا الأستاذة بجامعة بولونيا حياتها لقراءة هذه النصوص غير المقروءة بمجال تخصصها ومنها نقوش بحر إيجة المبكرة الموجودة في اليونان وجزر قبرص وكريت حيث تعد جزيرة كريت موطنًا للغتين لا يمكن فهمها ولا تفسير حروفهما وهما Cretan Hieroglyphic و Linear A ، بالإضافة إلى قرص منقوش بشكل غامض، في جميع الحالات الثلاث ، لا نعرف اللغة ولا الكتابة.
فك رموز اللغة يصبح أحيانا صعبًا بشكل مضاعف كما في حالة عقدة كويبو التي ابتكرتها حضارة الإنكا، فلا يزال بعض المتخصصين يعتبرون هذه السلسلة من العقد المصنوعة من الأوتار القطنية مجرد أدوات تذكارية ، مثل حبات المسبحة ، لكن فيرارا توضح أنها نظام اتصال ثلاثي الأبعاد، بمعنى أنها نوع من اللغة.
ووفقا لنيويورك تايمز يعتبر كتاب فيرارا "أعظم اختراع.. تاريخ العالم من تسع نصوص غامضة" فريدا من نوعه لكونه يركز على الجهود التى بذلت فعلا لفهم اللغات الميتة، وتقول فيرارا إنها كتبت الكتاب بالطريقة التي تتحدث بها مع الأصدقاء على العشاء، فبدلاً من سرد التاريخ الزمني للكتابة تنقلت بحرية من نص إلى آخر.
تقول فيرارا :"أول نص حقيقي اخترعه كتبة بلاد ما بين النهرين فقد شكلت مئات الإشارات والرموز ما يكفي من المقاطع لتكوين لغة كاملة، سمحت الكتابة لدول المدن في بلاد ما بين النهرين بإبراز قوتها في عمق المناطق النائية وإدارة أول إمبراطورية إقليمية".
بالنسبة إلى فيرارا ، هذه القصة صحيحة لكنها تضع اختراع الورق قرينا لتطور اللغة على سبيل المثال هناك قصة السيدة هاو، واحدة من 64 زوجة لو دينج ، الملك الصيني القديم التى أصبحت قائدة عسكرية مسئولة عن 13000 جندي، لكن قوتها الحقيقية جاءت من وظيفتها كصراف للملك، في الصين القديمة تضاءلت الثروات عن طريق التلاعب بالنقوش على أصداف السلاحف ومن هذه التلاعبات وُلدت الكتابة، التى كرس لها اختراع الورق في النهاية بالصين ، لكن أصول الكتابة تكمن في الخيال والإبداع وصنع المعنى، وقد أدركت السيدة هاو قوة الثقافة.
تأخذنا الأمثلة الأخرى إلى جزيرة إيستر حيث قد يكون السكان قد طوروا الكتابة في عزلة تامة عن بقية العالم، وإلى مخطوطة فوينيتش الغامضة ، المكتوبة بخط غير معروف وغير قابل للفك في عصر النهضة في أوروبا، هل كان عمل شخص منعزل يحاول أن يكون صعبًا؟ هل يخفي شيئًا مذهلاً؟
تنبع بعض أفكار فيرارا بعيدة المدى من تعاونها مع العلماء بما في ذلك وإيمانها بفكرة أن الكتابة تغير حرفياً أدمغة أولئك الذين يتعلمونها، تصف فيرارا الحالة المثيرة للاهتمام لخط الشيروكي الذي تم اختراعه في أوائل القرن التاسع عشر بواسطة قبائل الشيروكى في الولايات المتحدة لمواجهة المستوطنين، إذ تعتبرها محاولة لا يمكن نسيانها من الهنود الحمر للحفاظ على ثقافتهم أمام الأوروبيين الذين غزوا مناطقهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة