دار الإفتاء المصرية تبين حكم أكل المسلم اللحوم في البلاد الأوروبية:
فاستهلت الدار جوابها ببيان ما يجوز أكله من اللحوم فقالت: "مِن المعروف شرعًا أنه لا يَحِلُّ أكل لحم الحيوان إلَّا إذا كان مأكول اللحم؛ كالإبل والبقر والغنم والأرانب، وداجن الطيور؛ كالدجاج والبط والأوز وغير ذلك وتَمَّت تذكيته الشرعية، والذكاة الشرعية هى السبب الموصل لحِلِّ أكل الحيوان البرى مأكول اللحم المقدور عليه، وتحصل تذكيته بالذبح أو النحر، وأما غير المقدور عليه فتذكيته بعَقره عن طريق الجرح أو الصيد أو إغراء الحيوان أو الطير المُعَلَّمَين به، وكل ذلك لا بد أن يكون مِمَّن يَحِلُّ منه ذلك، وهو المسلم أو الكتابي.
ويشترط فى هذا كلِّه أن يكون الذابح أو الناحر أو العاقر مسلمًا أو مِن أهل الكتاب؛ أى من اليهود أو النصارى، أما أن كان غير مسلم وغير كتابى فإن ما يذبحه يكون مَيتةً ولا يجوز أكلُه، وقد أطلق القرآن الكريم حِلَّ ذبائح أهل الكتاب لَنَا دُونَ قَيْدٍ؛ فقال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ﴾ [المائدة: 5].
فالأصلُ حِلُّ ذبائح أهل الكتاب، وقد أكل النبى صلى الله عليه وآله وسلم مِن الشاة التى أهدتها إليه اليهودية ولم يسأل عن كيفية ذبحها ولا عن التسمية عليها".
ثم أكدت الدار على جواز أكل اللحوم فى البلاد الأوربية ما دام أنها من ذبائح أهل الكتاب، وأن هذا أصل يعمل به المكلف إلا إذا تبين له خلاف ذلك فلا يجوز له الأكل حينئذ، " ولا يجب على المسلم السؤالُ والتنقيبُ ما دام فى دولةٍ غالبُ أهلِها مِن أهل الكتاب؛ فقد نَهَى اللهُ تعالى المؤمنين عن التنقيب والتفتيش المُتَكَلَّف فى الأمور كلها، وبَيَّنَ الله قاعدةَ ذلك فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ أن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ [المائدة: 101].
هذا كُلُّهُ إذا لَم يُعلَم يقينًا أن ذابحها ليس كتابيًّا، أو أنه لَم يذبحها بل قَتَلَها بالضرب أو الصعق مثلًا، فإذا عُلِمَ ذلك يقينًا زال أصلُ الحِلِّ وصار اللحمُ حرامًا.
هذا عن الحلال والحرام، أما عن الوَرَعِ فهو واسعٌ، فقد اتفقت كلمة الفقهاء على أن حَدَّ الوَرَعِ أَوْسَعُ مِن حَدِّ الحكم الفقهي؛ وذلك لأن المسلم قد يَترُكُ كثيرًا مِن المباح تَوَرُّعًا، ولكن هذا لا يعنى أن يُلزِم غيرَه بذلك على سبيل الوجوب الشرعى فيدخل فى باب تحريم الحلال، ولا أن يعامل الظنى المختلف فيه معاملة القطعى المجمَع عليه فيدخل فى الابتداع بتضييق ما وسَّعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، بل عليه أن يَلْتَزِمَ بِأَدَبِ الخِلَافِ؛ كَمَا هو مَنهَجُ السَّلَفِ الصالح فى المسائل الخلافية الاجتهادية".
ثم انتهت الفتوى إلى التأكيد على جواز أكل اللحوم فى بلاد أهل الكتاب فقالت: "فالأصل فيما يُقدَّم للتلاميذ مِن اللحوم فى مدارس أهل الكتاب أنها لُحُومٌ حلالٌ، إلَّا إذا عُلِم أنها ليست مذبوحةً، فإذا عُلِم أنها ليست مذبوحةً أو أنها فَقَدَتْ أَحَدَ شروطِ الحِلِّ فإنها تكون حرامًا، وعلى أولياء أمور الطلاب حينئذٍ التنبيه على إدارة المدرسة بضرورة مراعاة هذه الأمور عند تقديم اللحوم للطلاب المسلمين مِن باب احترام عقائد الإنسان وشعائره، وذلك مَبْدَأٌ مُقَرَّرٌ مَعمُولٌ به فى دول العالم الملتزمة بحقوق الإنسان".
دار الإفتاء الأردنية تؤيد دار الإفتاء المصرية في جواز أكل اللحوم المذبوحة بيد أهل الكتاب:
فكان جوابها: " لقد أحل الله لنا ذبائح اليهود والنصارى إذا ذُبحت بطريقة توافق الشريعة الإسلامية، وذلك بقطع المريء والبلعوم، أى الذبح فى الرقبة بآلة حادة، ولو لم يُسَمُّوا عليها الله عز وجل.
والبلدان النصرانية منهم من يذبح بهذه الطريقة، ومنهم من يقتل بالصعق الكهربائي، ولذا ينبغى لولدك أن يسأل عن طريقة الذبح، فإذا لم يظهر له ما يخالف الشريعة الإسلامية فله أن يأكل ذبائحهم".
ولا يخفى ما فى ذلك من التيسير على المسلمين المقيمين فى البلاد الأجنبية، لأن هناك من يتورع عن أكل اللحوم هناك، ولا بأس بذلك إذا كان فى خاصة نفسه، أما إذا طالب به غيره فهذا تضيق على الناس يوقعهم فى حرج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة