مصر والسعودية لهما ثقل وقوة وتأثير على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، ما يعزز من مستوى وحرص البلدين على التنسيق والتشاور السياسي المستمر بينهما؛ لبحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية في مواجهة التحديات المشتركة، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، والأمن والسلم الدوليين.
وفى هذا السياق تحظى زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للرياض اليوم الثلاثاء، باهتمام كبير سواء على المستوى الدبلوماسى والسياسي أو على المستوى الإعلامى، وأكدت سفارة المملكة العربية السعودية بالقاهرة ـ فى تقرير لها ـ أن علاقة المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تتسم بالعمق التاريخي والتعاون الاستراتيجي والتنسيق المستمر تجاه المسائل والقضايا التي تهم البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية؛ بما يعمل على تعزيز أمن واستقرار المنطقة والعالم.
أسس صلبة
وأشارت السفارة إلى أن العلاقات السعودية المصرية تأسست على أسس صلبة منذ أول لقاء تاريخي جمع الملك عبدالعزيز، بالملك فاروق عام 1945م ليكون حجر الأساس لعلاقة قوية واستراتيجية، تزداد متانة وصلابة عامًا بعد عام، وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز و الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، لترتسم معالم المستقبل المشرق بين البلدين.
واستعرض التقرير أبرز المحطات فى تاريخ العلاقات بين البلدين ، ففي عام 1945م وافق الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن على "بروتوكول الإسكندرية"، وأعلن انضمام المملكة العربية السعودية للجامعة العربية، وفى 27 أكتوبر عام 1955م وُقِّعَت اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، وقد رأس وفد المملكة في توقيعها بالقاهرة الملك فيصل بن عبدالعزيز، وأثناء العدوان الثُّلاثي على مصر عام 1956م وقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وفي عام 1987 م زار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حينما كان أميراً لمنطقة الرياض آنذاك جمهورية مصر العربية؛ لافتتاح معرض المملكة بين الأمس واليوم في القاهرة، وعقب توليه مقاليد الحكم توالت اللقاءات الرسمية بين القيادتين، إذْ عقد مع الرئيس عبدالفتاح السيسي جلسات مباحثات رسمية جرى خلالها استعراض أوجه التعاون الثنائي لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.
وقد ارتقت العلاقات الثنائية بين المملكة ومصر، بدعم وتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وأخيهما الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية من خلال تأسيس مجلس التنسيق السعودي المصري، وإبرام حكومتي البلدين نحو 70 اتفاقية و"بروتوكول" ومذكرة تفاهم بين مؤسساتها الحكومية.
مصر تحتضن الطلبة السعوديين
وفى سياق العلاقات القوية بين البلدين كانت مصر من أوائل الدول التي استقبلت الطلبة السعوديين المبتعثين إلى الخارج، إذ أمر الملك عبدالعزيز في 1927 بإيفاد أول دفعة دراسية إلى مصر، وضمت تلك الدفعة 14 دارسا، وتُقدر إحصاءات وزارة التعليم عدد الطلبة السعوديين في مصر حالياً بـ2220 طالباً يتلقون تعليمهم في مختلف التخصصات بالجامعات والكليات والمعاهد المصرية.
وفي عام 2020 تأسست جامعة الملك سلمان الدولية، وتضم هذه الجامعة 16 كليةً و56 برنامجاً في 3 فروع ذكية بمدن الطور، ورأس سدر، وشرم الشيخ، وتوصف بأنها واحدة من جامعات الجيل الرابع الذكية، وتهدف إلى تقديم تجربة جامعية فريدة من نوعها يمتزج فيها التعلم باستخدام أحدث التقنيات، والخبرة التطبيقية، والمعارف النظرية، وخدمة المجتمع، وتنمية البيئة.
علاقات ثقافية بين البلدين
على الصعيد الثقافى، تُعد مصر من الدول الرائدة عربيًا في المجال الثقافي، وتسعى وزارة الثقافة السعودية إلى تفعيل التعاون الثقافي والفني مع الجانب المصري، حيث تعاون البلدان معًا في تسجيل ملف الخط العربي لإدراجه في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونسكو، وسجل خلال شهر ديسمبر 2021.
وتتطلَّع المملكة إلى توطيد التعاون والشراكة مع الجانب المصري في العديد من المشروعات الحيوية في مجالات الاتصالات وتقنية المعلومات، من خلال بناء القدرات البشرية والرقمية، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، والذكاء الاصطناعي، وكذلك التعاون في مجال التوعية الرقمية والتحوُّل الرقمي، إلى جانب التعاون في مجال الكابلات البحرية للاتصالات.
وقد أسهم الصندوق الصناعي في دعم وتمويل 17 مشروعًا مشتركًا مع مصر، بقيمة تزيد على 393 مليون ريال، ويوجد 27 مصنعًا باستثمارات مصرية في المدن الصناعية السعودية، وذلك في عدد من المجالات، مثل: صناعة الأجهزة الكهربائية، والمعادن، والتصنيع الغذائي، والمطاط والبلاستيك، والصناعات الطبِّية، وغيرها.
ويقيم نحو مليون مواطن سعودي في مصر، وهي أكبر جالية سعودية في الخارج، كما يفضل السياح السعوديون قضاء إجازاتهم في مصر، إذْ يشكِّلُون النسبة الأكبر من بين السياح العرب في مصر، في المقابل يوجد نحو 1.7 مليون مقيم مصري في المملكة، مما عزَّز العلاقات الاجتماعية بين البلدين.
مبادرة الشرق الأوسط الأخضر
وحول قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي افتتحها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء بالرياض 25 أكتوبر 2021، أكدت وزيرة البيئة الدكتورة ياسمين فؤاد، خلال مشاركتها فى القمة أن مصر تعدُّ ضمن الدول التي لديها توجُّه وإرادة حقيقية لتحقيق التنمية المستدامة مستندة على العديد من الآليات المؤسسية أو التشريعية أو التمويلية.
وأعربت الدكتورة ياسمين فؤاد عن دعم مصر مبادرةَ الشرق الأوسط الأخضر واستعدادها لدفع هذا العمل من خلال مجلس وزراء البيئة العرب التى تتشرَّف برئاسته في دورته الحالية.
تعاون إعلامى
وفى مجال الإعلام زار وزير التجارة ووزير الإعلام المكلَّف الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي، المتحفَ القومي للحضارة المصرية بالفسطاط بالعاصمة المصرية القاهرة على هامش زيارته مصر للمشاركة في اجتماعات المكتب التنفيذي لوزراء الإعلام واجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب بالقاهرة في شهر يونيو 2021، والتقى بنخبة من القيادات الإعلامية، حيث أكد حرص المملكة على تنمية علاقاتها في المجالات الإعلامية مع مصر، مطالبًا الحضور باقتراح أفكار ومشروعات تعاون تنفيذية؛ بهدف زيادة التواصل بين وسائل الإعلام في البلدين الشقيقين، والتركيز على الوسائل الأكثر تأثيرًا لدى الجمهور.
وتسعى المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية إلى تعزيز التعاون في العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والفنية بما يلبي طموحات وآمال البلدين بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وأخيه الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وتعود جذور التعاون الدرامي بين السعودية ومصر إلى ثمانينيات القرن الماضي، حيث شارك فنانون مصريون في أعمال درامية خلدت في أذهان السعوديين، من أشهرها مسلسل أصابع الزمن، وليلة هروب، وغيرها من المسلسلات التي أسست لهذا التعاون المشترك بين فناني البلدين، ويعود اليوم عبر شراكات جديدة بين مؤسسات الإنتاج السعودية والمصرية، في سياق التوجه السعودي نحو تطوير صناعة الدراما والسينما المحلية، والاستفادة من التجارب المصرية في هذا المجال.
وتتمتع المملكة ومصر بثقل وقوة وتأثير على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية، مما يعزِّز من مستوى وحرص البلدين على التنسيق والتشاور السياسي المستمر بينهما؛ لبحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية في مواجهة التحديات المشتركة، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، والأمن والسِّلم الدوْلِيَيَن.