التصدي لعمل درامي طبيعته الحركة والإثارة والتشويق فكرة محفوفة بالمخاطر، وذلك لأنك تنافس في مجال ذائقة الجمهور فيه طموحة بشكل كبير ولا ترضى بمستوى يقل عما يشاهده في الدراما العالمية، وخاصة الأمريكية، فهم رواد دراما الحركة أو الأكشن، لذلك إنتاج عمل تشويقي ضخم يحتاج إلى قلب جسور، فأنت كمشاهد لا تستطيع حرفيا أن تقوم من أمام الشاشة لحظة لأنه بالتأكيد سيفوتك حدث، وهذا أهم ما يميز مسلسل ملف سري، فهناك أحداث متلاحقة تجعلك تلهث وراءه بأنفاس مبهورة، ففي الحلقات الأولى أحداث متصاعدة ومتلاحقة توازي ما يتم تقديمه في مسلسلات أخرى على مدى ثلاثين حلقة، هنا يتم التعامل مع الأحداث بطريقة القفز الدرامي من كثرة تشابك الأحداث وتطورها.
قصة اجتماعية بالأساس تتناول القاضي يحيى طاهر عز الدين الذي يجسده الفنان هاني سلامة الذي يؤدي دورا جديدا تماما عليه، ونجح فيه بشكل كبير، فهاني سلامة في ملف سري ليس هاني سلامة الذي نعرفه، هنا وجه جديد وجاد بملامح حادة ومحايدة تحمل هما ليس فقط همه الشخصي بفقد خطيبته في بداية الحلقات ولكن هما وعبئا أكبر من ذلك كون أحداث المسلسل تدور في عام 2013، حيث كانت الفوضى سائدة والفساد مستشريا، قبل أن تحكم البلد قبضتها وتضرب بيد من حديد على الفاسدين، هنا القاضي يمثل رمز السلطة القضائية التي تتحمل عبء محاربة هذا الفساد وكشفه، القضية تبدو ثقيلة وعميقة، لكن التناول الذكي للقصة والسيناريو المتتابع بدقة منح الفكرة القوية قالبا تشويقيا، يقلب الأحداث كل حلقة رأسا على عقب، ساهم في ذلك الموسيقى المميزة جدا للموسيقار أشرف الزفتاوي الذي كان في أفضل حالاته، وكذلك ديكور فوزي العوامري صاحب البصمة المميزة، والمونتاج ساهم بقوة في تسريع الإحساس بالإيقاع اللاهث
التوليفة المتنوعة من الممثلين ما بين أجيال قديمة وأجيال وسط وشباب جدد جعل المسلسل يتميز بالحيوية.
وتألق كثيرون في ملف سري، لكن يبقى دور كل من محمد محمود عبد العزيز وأحمد الرافعي مميزا جدا، فقد أجاد عبد العزيز في تقديم شخصية ليل المصري، ونجح في أن يثير مجرد ظهوره على الشاشة تساؤلات كثيرة عبر نظراته المحايدة التي لا تستطيع أن تطمئن لها، ولا تستطيع قراءتها وما تخفيه، وما تبعث في نفوس بعض المشاهدين مشاعر الخوف، فهو يخفي الكثير والكثير.
جدير بالذكر أن محمد محمود عبد العزيز كان قد قدم دورا مختلفا تماما في مسلسل نقل عام الذي عُرض منذ فترة قصيرة ولاقى نجاحا كبيرا، قدم فيه عبد العزيز دور فيصل الشاب اليائس من ظروفه وحياته، أما هنا فهو يقدم شخصية غامضة وتخفي أكثر مما تُظهر.
الممثل الآخر هو أحمد الرافعي الذي قدم باقتدار شخصية ناجي الشرير الذي تأتي من خلفه دائما الكوارث، لا ينسى المسلسل في عز الإيقاع السريع أن يقدم لنا علاقات اجتماعية متشابكة داخل عائلة المستشار يحيي وأخيه المحامي شاكر، والصراع المتأجج بين يوسف المالكي الذي يقوم بدوره ماجد المصري، وهارون المالكي الذي يلعب دوره محسن محيي الدين.
المسلسل يقول دون ضجيج ما كان سيؤول إليه حال مصر إذا لم يتغير الوضع الذي كان موجودا في 2013، حيث الانفلات الأمني والفساد.
في النهاية مسلسل "ملف سري" بأحداثه المتلاحقة وايقاعه السريع عمل جيد يستحق المشاهدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة