احتلت أيام الإجازات، المنتظر التمتع بها خلال الأيام المقبلة، عمليات البحث في محرك "جوجل" العملاق، وأصبحت التريند المسيطر والمتصدر، دون كل الأخبار والموضوعات التي تنتجها وسائل الإعلام، خاصة أن عيد الفطر هذا العام يقترب من إجازات رسمية، مثل أعياد الإخوة المسيحيين، وعيد تحرير سيناء، وعيد العمال، وهو ما جعل البعض يحسب ويخطط لكل تلك الإجازات خلال الفترة المقبلة، وكيفية استغلالها والهروب من أجواء العمل.
أكثر المنشورات تفاعلاً على السوشيال ميديا، تلك التي تتحدث عن الإجازات خلال الفترة المقبلة، وكأننا لا نفكر إلا فيها، ونتفنن في الحصول على أكبر عدد أيام منها، مع العلم أن الإجازات التي يحصل على الموظف المصري تزيد عن أي دولة أخرى، وتقريباً ثلث العام عبارة عن إجازات لعطلات أسبوعية أو رسمية في مواسم وأعياد، وهو أمر مقلق، لكن اعتاده المصريون خاصة أنهم يرون الإجازات ميزة نسبية في حد ذاتها، حتى لو كانت تضيع في نوم اليقظة أو الجلوس أمام التلفزيون.
سبق وتحدثت كثيراً عن الدول المتقدمة، وكيف تسعى جاهدة إلى تأسيس بنية صناعية ضخمة، لتحقق من خلالها الرفاهية الحقيقية لشعوبها من خلال رفع مستواها الاقتصادي والاجتماعي، وتطوير مهاراتهم وتعليمهم بصورة تكفل لهم حياة أفضل، ولا تجد طريقاً واضحاً لتحقيق هذه الرؤية إلا من خلال العمل والسعي الجاد له، بعدد ساعات منتظمة يومياً وجودة تضمن تنافسية قوية للمنتجات والصناعات التي تقدمها للعالم، وبهذه الطريقة تتقدم وتحافظ على مكانتها وقدرتها في الأسواق العالمية.
من كل النماذج العالمية لا أرى أهم وأكبر من التجربة الصينية، التي حولت بكين خلال السنوات العشر الماضية إلى مصنع عملاق للعالم كله، حتى باتت تتحكم في مصائر العالم، وتحولت إلى مركز صناعي وتجارى ضخم، يضم كل العلامات التجارية لكبرى الشركات، وهذا لم يتحقق سوى بمهارة العامل الصيني، الذي يعمل بكفاءة منقطعة النظير، وساعات عمل تفوق نظيره في أي دولة متقدمة، لذلك يستمر الاقتصاد الصيني في الصعود والنمو خلال الفترة المقبلة، اعتماداً على قدرة العامل وشغفه بما يقدم.
نحتاج إلى حب العمل بصورة أفضل دون نقمه على ما نقدمه، أو تململ من أسلوب الإدارة بشكاوى معلنة وخفية لا تنقطع أو تنتهي، فيجب أن يصبح الجهد والعطاء أكبر بكثير من الفهلوة والحداقة ومحاولات الاحتيال النمطية، التي باتت معروفة ومكشوفة، لدرجة أن البحث عن عامل جيد في هذا الوقت بات أمراً صعباً، فكل الموجود في الأسواق، يبحث عن الإجازات على محركات البحث، والسوشيال ميديا، ويأمل في الحصول على أكبر راتب ممكن بأقل جهد متوقع!
لا يمكن لدولة نامية تتحسس طريقها نحو التنمية، وتحاول أن تبنى اقتصادها ومستقبلها لتقلل الفجوة بين ما تصدر وتستورد أن تتقدم بدون عمل جاد، وسعى مستمر، يعتمد على كفاءة وخبرة وقدرة العامل، وهذه ثقافة يجب أن نتبناها ونحرص على غرسها في نفوس أبنائنا وبناتنا من خلال مراحل التربية وسنوات التعليم، حتى نؤمن لهم مستقبل أفضل، وعمل يتناسب مع قدراتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة