يعتبر ابن بطوطة الذى عاش في القرن الرابع عشر واحدًا من أشهر الرحالة المسلمين، وقد قام برحلة شهيرة من بلاد المغرب إلى الحرمين الشريفين، وفيها رأى ما رأى من عادات أهل الحجاز والمكيين في شهر رمضان، وقد سجل ما رآه واطلع عليه فى كتابه "تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" أو "رحلة ابن بطوطة".
ومما ورد عنه في كتاب رحلة ابن بطوطة:"وإذا أهل هلال رمضان تضرب الطبول والدبادب عند أمير مكة، ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام، من تجديد الحصر، وتكثير الشمع والمشاعل، حتى يتلألأ الحرم نوراً، ويسطع بهجة وإشراقاً، وتتفرق الأئمة فرقاً، وهم الشافعية والحنبلية والحنفية والزيدية، وأما المالكية فيجتمعون على أربعة من القراء، يتناوبون القراءة ويوقدون الشمع ولا تبقى في الحرم زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يصلي بجماعة، فيرتج المسجد لأصوات القراء، وترق النفوس وتحضر القلوب وتهمل الأعين".
وعن عادات المكيين في اوقت السحور: "وإذا كان وقت السحور يتولى المؤذن الزمزمي التسحير في الصومعة التي بالركن الشرقي من الحرم، فيقوم داعياً ومذكراً ومحرضاً على السحور، وهكذا يفعلون في سائر الصوامع، فإذا تكلم أحد منهم أجابه صاحبه، وقد نصبت في أعلى كل صومعة خشبة على رأسها عود معترض، قد علق فيه قنديلان من الزجاج كبيران يوقدان، فإذا قرب الفجر وقع الإيذان بالقطع مرة بعد مرة، وحط القنديلان، وابتدأ المؤذنون بالأذان، وأجاب بعضهم بعضاً، ولديار مكة شرفها الله سطوح، فمن بعدت داره بحيث لا يسمع الأذان يبصر القنديلين المذكورين فيتسحر، حتى إذا لم يبصرها أقلع عن الأكل".
ويضيف عن الليالى الوترية وما يفعلونه في ليلة القدر: "في ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن ويحضر الختم القاضي والفقهاء والكبراء، ويكون الذي يختم بها أحد أبناء كبراء أهل مكة. فإذا ختم، نصب له منبر مزين بالحرير، وأوقد الشمع، وخطب، فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات وكذلك يصنعون في جميع ليالي الوتر، وأعظم من تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم لها أعظم من احتفالهم لسائر الليالي. ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام الكريم".
وتقام إزاء حطيم الشافعية خشب عظام، توصل بالحطيم، وتعرض بينها ألواح طوال، وتجعل ثلاث طبقات، وعليها الشمع وقنديل الزجاج، فيكاد يغشى الأبصار شعاع الأنوار، ويتقدم الإمام، فيصلي فريضة العشاء الآخرة، ثم يبتدئ قراءة سورة القدر. وإليها يكون انتهاء قراءة الأئمة في الليلة التي قبلها وفي تلك الساعة يمسك جميع الأئمة عن التراويح تعظيماً لختمة المقام.