فى حلقة جديدة من برنامج "اللى ما تعرفوش" الذى يعده ويقدمه الزميل بلال رمضان، على تليفزيون اليوم السابع، يتحدث عن شخصية جحا المثيرة للجدل، حول إذا ما كانت شخصية حقيقة، ومن التابعين رضوان الله عليهم، أم أنها شخصية خيالية؟.
إذا ذكرت سيرته نتذكر حماره، وإذا أردنا أن نسخر من غباء أحد، نقول له: "ودنك منين يا جحا"، لكن إن سألنا أى أحد ماذا تعرف عن جحا؟، من هو؟، وما اسمه، ومتى ولد؟، ومتى توفى، وماذا كان يعمل؟، ولماذا اشتهر بهذه الحكايات؟ لن يجيبنا أحد.
هذه الأسئلة التى ذكرناها آنفا، شغلت عقول مفكرين وأدباء، جميعهم توصلوا إلى نتائج مختلفة، واتفقوا على نتيجة واحدة فقط، وهى أن جحا يعد من أشهر الشخصيات المثيرة للجدل في التاريخ العربي والإسلامي، شخصية لا يمكننا الجزم إذا ما كانت حقيقة أم أسطورة أم محض خيال، أم أكاذيب وتلفيق.
وفقا للمصادر التاريخية، يقال بأن أول من تحدث عن جحا كان الجاحظ في كتاب "القول في البغال" لكنه للأسف الشديد لم يحدد هويته، ووفقا للمصادر التراثية يقال إن أقدم القصص المنسوبة لشخصية جحا في التراث العربي تعود إلى القرن الأول الهجري، لرجل يدعى دُجين بن ثابت الفزاري، ويقال بأنه كان راجل ظريفا محبا للمزاح، قال عنه العلامة الحافظ ابن عساكر أنه عاش أكثر من 100 سنة، بل وكان من التابعين رضوان الله عليهم، أى أنه عاش فى زمن الصحابة رضوان الله عليهم، ويقال بأن أم جحا كانت خادمة أنس بن مالك.
ومن خلال كتب الإمام السيوطي والذهبي والحافظ ابن الجوز، نعرف أن دجين الفزاري الذى لقب بـ"جحا" كان معروف بالفطنة والذكاء، وكان لديه أعداء، لأنه كان مقربا من السلطة حينذاك، وعرف عنه أيضا أنه كان يجيد حل المشكلات ولكن بأسلوب ساخر ينم عن ذكائه، ومن هنا ألف عنه أعدائه حكايات البلاهة والسذاجة التى انتشرت حتى يومنا هذا.
مصادر تاريخية أخرى، تزعم أن حجا ولد في النصف الثاني من القرن الأول الهجري، أى حوالي سنة 60 هجرية، وعاش في الكوفة، وتوفي فيها سنة 160 هجرية أيام خلافة أبي جعفر المنصور، وبالإضافة لذلك، فهناك حكايات تزعم أن جحا كان صاحب كرامات، وهو الأمر الذى دفع الإمام جلال الدين السيوطي لتأليف كتاب "إرشاد من نحا إلى نوادر جُحا" للرد فيه على القصص المنسوبة إلى جحا، وقال فيه: إن "أمه كانت خادمة لأم أنس بن مالك وأنه لا ينبغي لأحد أن يسخر من جحا إذا سَمِع اسمه بل يَسأل الله أن ينفعه ببركاته
وجه آخر أو شخصية أخرى ألصقت بها حكايات البلاهة والسذاجة، وهى شخصية جحا التركي، ويقال بأن اسمه الحقيقى نصر الدين خُوجة، وأنه كان معلما وفقيها فى الدين، وقاضيا، وأنه ولد سنة 605 هجرية وتوفي عام 683هـ، ويقال بأن مجالس العلم التى كان يقدمها كان يحضرها جمع كبير من الناس يصل إلى 300 شخص، وأنه اشتهر فى هذه المجالس أيضًا، باستخدام الأسلوب الساخر فى تقديم الموعظة.
شخصية جحا العابرة للعصور، جعلت أستاذنا عباس محمود العقاد يتساءل فى كتابه "جحا الضاحك المضحك" الصادر 1956 حول إذا ما كان جحا شخصية حقيقية أم خيال، وبعدما درس النوادر المنسوبة إليه، توصل إلى أنه من الصعب أن تكون صادرة عن شخص واحد لأن من رواها ودونها بعضهم عاش فى زمن صدر الإسلام، والبعض الآخر فى زمن المنصور العباسي، وبعض آخر ظهر فى أسلوبه بلاغة تنم عن حرفة التأليف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة