سادت حالة من الارتياح العالم، وتحديد أوروبا والولايات المتحدة بعد الإعلان عن فوز إيمونويل ماكرون لفترة رئاسية ثانية فى فرنسا بعد تغلبه على منافسته المنتمية إلى اليمين المتطرف مارين لوبان فى جولة الإعادة التى أجريت أمس الأحد.
وتنفست واشنطن والعواصم الأوروبية الصعداء بضمان بقاء ماكرون لخمس سنوات أخرى داخل قصر الإليزية، أو بالأحرى عدم وصول لوبان إليه فى ظل ما تحمله سياسات من تغييرات من شأنها أن تبرك حسابات الغرب فى كثير من الأمور، أهمها فى الوقت الراهن الغزو الروسى لأوكرانيا.
ماكرون وزوجته
وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن حالة من الارتياح سادت أوروبا وواشنطن بعد الإعلان عن فوز الرئيس إيمانويل ماكرون فى انتخابات الرئاسة الفرنسية بعد خوض جولة الإعادة، فى ظل مخاوف من احتمالات صعود منافسته مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان المعادية للناتو وللاتحاد الأوروبى.
وذكرت الصحيفة أنه فى ظل لحظة حرجة فى أوروبا، مع استمرار القتال فى أوكرانيا بعد الغزو الروسى، رفضت فرنسا مرشحة معادية للناتو وللاتحاد الاوروبى وللولايات المتحدة، ومعادية لقيمها الأصولية التى تقر بضرورة عدم التمييز ضد أى مواطن فرنسى لأنه مسلم.
وقال وزير الخارجية الفرنسى جين يافيس لودريان، إن النتائج تعكس احتشاد الشعب الفرنسى من أجل الحفاظ على قيمه وضد الرؤية الضيقة لفرنسا.
وتقول الصحيفة إن الفرنسيين لا يحبون عادة رؤسائهم، ولم ينجح أحدهم فى أن يعاد انتخابه منذ عام 2002، ناهيك عن أن الفارق كان 17%. ويعكس إنجاز ماكرون غير المعتاد فى تأمين خمس سنوات أخرى فى الحكم قيادته الفعالة لأزمة كورونا، وإنعاشه للاقتصاد وقدرته السياسية على احتلال وسط المجال السياسى بأسره.
احتفال بفوز ماكرون عند برج ايفل
أما لوبان، التى خففت من صورتها وإن لك يكن برنامجها القومى المناهض للهجرة، فقد قادت موجة من الاغتراب وخيبة الأمل لجلب اليمين المتطرف أقرب للسلطة من اى وقت مضى منذ عام 1944. وقد انضم حزبها التجمع الوطنى إلى التيار السياسى السائد، حتى لون كان الكثير من الفرنسيين قد صوتوا فى اللحظات الأخيرة لماكرون لضمان عد استسلام فرنسا للنقد اللاذع المعادى للأجانب.
ورصدت الصحيفة ردود الفعل فى أوروبا على فوز ماكرون، حيث وصفه المستشار الألمانى أولاف شولتز بالتصويت على الثقة فى أوروبا، بينما هنأ رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون ماكرون على الفوز ووصف فرنسا بأنها واحدة من أقرب الحلفاء لبريطانيا وأكثر أهمية.
كما هنأ الرئيس الأمريكى جو بايدن ماكرون على فوزه، وقال فى تغريدة له تويتر: "أهنأ إيمانويل ماكرون على انتخابه لولاية ثانية رئيسًا لفرنسا التي تعد أحد أقدم حلفاء الولايات المتحدة وشريكة أساسية في مواجهة التحديات العالمية".
وأضاف الرئيس الأمريكي "أتطلع قدمًا للعمل المشترك مع فرنسا وماكرون، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية والدفاع عن الديمقراطية ومكافحة التغير المناخي".
لكن النتائج أكدت أيضا أن اليمين المتطرف أصبح أكثر قوة من ذى قبل، على الأقل عما كان عليه فى عام 2017 عندما خاضت لوبان جولة الإعادة أيضا أمام ماكرون. وقالت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية إنه على الرغم من أن مرشحة اليمين المتطرف قد خسرت أمام ماكرون فى جولة الإعادة، إلا أن خسارتها كانت انتصار للحركة التى تمثلها.
وذهبت الوكالة إلى القول بأن العرض التاريخى لمارين لوبان فى الانتخابات يؤكد أن اليمين المتطرف قد أصبح تيارا أساسيا فى فرنسا. ولم تفز لوبان، لكنها اقترب خطوة أكبر وحققت انتصارات من هزيمتها أمام ماكرون.
فبحصولها على نسبة 41.5% من الأصوات، وهى نسبة غير مسبوقة بالنسبة لها، فإن سياسات لوبان، المعادية للأجانب، والمعادية لنظام والقائمة على سياسات السخط أصبحت أكثر رسوخا من أى وقت مضى فى التفكير والمشهد السياسى لفرنسا.
وتقول أسوشيتدبرس إنه منذ أن بدأت أسرة لوبان، والدها فى البداية جان مارى، ثم الابنة مارين، فى خوض الانتخابات الرئاسية فى عام 1974، لم يكن الكثير من الناخبين الفرنسيين يتعاطون مع مذهبهم بأن فرنسا متعددة الثقافات والأعراق وصاحبة شعار الحرية والمساواة والخاء ستكون مكان أكثر أمنا وأكثر فرنسية لو أنها كانت أقل انفتاحا على الأجانب وعلى العالم الخارجى.
ولو كانت لوبان قد فازت وأصبحت أول امرأة تفوز برئاسة فرنسا، فإن خططها لمحاربة الإرهاب كانت ستشمل تجريد بعض سكان فرنسا ، من النساء المسلمات، من حريتهن، حيث أرادت أن تفرض حظرا على الحجاب فى الأماكن العامة. وينطبق الأمر على مقترحاتها لنقل المواطنين الفرنسيين إلى الصفوف الأمامية للوظائف وأن يكونوا الأكثر استفادة من المزايا والإسكان.
وكانت لوبان قد قالت عقب إعلان نتائج الانتخابات بفوز ماكرون إنه بهذه الهزيمة لا يمكنها إلا انه تشعر بقدر من الأمل، مؤكدة أنها لن تتخلى أبدا على الفرنسيين.
وفى افتتاحيتها، قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن فوز ماكرون سبب لارتياح كبير واحتفال متواضع.
وذهبت الصحيفة إلى القول بأن ماكرون قد يرى فوزه على أنه مكافأة لسجله، الذى يعتبر أفضل بكثير مما يعترف به كثير من معارضيه، لاسيما جهوده لإنعاش النمو الاقتصادى التى أثمرت عن انخفاض البطالة وازدهار الشركات التكنولوجية الجديدة الناشئة. إلا أن أغلبية ماكرون تعكس ليس حماس الناخبين له ولكن رفضهم للوبان. وفى الوقت الذى جعل فيه غزو روسيا لأوكرانيا مواقف لوبان، المؤيدة لموسكو، أكثر خطورة وبغيضة أكثر من أى وقت مضى، إلا أن الهامش الذى فاز به ماكرون فى تلك الانتخابات هو نصف ما كان عليه الحال فى انتخابات 2017.