على الرغم من التداعيات السلبية نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، وما تفرضه من تحديات على دول العالم، إلا أن سياسات مصر الاقتصادية والهيكلية شكلت حائط صد ساهم في التخفيف من حدة الآثار السلبية للأزمة على مصر، واستيعاب الصدمات الخارجية، والحفاظ على صلابة الاقتصاد المصري، مما أدى إلى إشادة من جانب المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي الذى رفع توقعاته لنمو الاقتصاد المصري، رغم التداعيات السلبية للأزمة الروسية الأوكرانية على معدلات النمو العالمية.
ورفع صندوق النقد الدولي من توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد المصرى خلال العام المالي الجاري 2021-2022 إلى 5.9%، للمرة الثانية على التوالي، بعدما سبق في يناير أن رفعها بمقدار 0.4% ليصل إلى 5.6% مقارنة بتوقعاته في أكتوبر عند 5.6%.
وأشار التقرير إلى تحسن توقعات الصندوق لمعدل نمو الاقتصاد المصري للعام المالي 2021/2022، حيث سجل 5.9% فى توقعات شهر أبريل 2022، مقابل 5.6% في توقعات يناير 2022، و5.2% في توقعات أكتوبر 2021.
وأظهر التقرير تجاوز معدل نمو الاقتصاد المصري لمتوسط النمو العالمي، حيث سيسجل 5.9% عام 2021/2022، مقارنة بـ 3.6% متوسط النمو العالمي المتوقع لعام 2022، مشيراً في الوقت نفسه إلى استمرار تجاوز معدل نمو الاقتصاد المصري لمتوسط النمو العالمي حيث سيسجل 5% عام 2022/2023، مقارنة بـ 3.6% متوسط النمو العالمي لعام 2023.
وتوقع الصندوق بأن تحقق مصر ثاني أعلى معدل نمو بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحلول العام المالي 2022/2023.
يأتي هذا بينما، توقع صندوق النقد الدولي أن يسجل معدل التضخم 7.5% بنهاية عام 2022 وهو ضمن النطاق المستهدف للبنك المركزي المصري عند 7% (±2%)، وبشأن معدل البطالة لعام 2022، سيسجل 6.9% في توقعات أبريل لعام 2022، مقارنة بـ 9.2% في توقعات أكتوبر 2021.
هذا وقد تطرق التقرير إلى توقعات صندوق النقد الدولي بأن يحقق الاقتصاد المصري واحداً من أفضل معدلات النمو العالمية لعام 2022، لتسجل معدلاً يتجاوز 5% وفقاً لتوقعات العام المالي 2021/2022.
وتُعد مصر الدولة الوحيدة بالشرق الأوسط وأفريقيا التي احتفظت بثقة جميع مؤسسات التقييم العالمية الثلاثة "ستاندرد آند بورز"، و"موديز"، و"فيتش" خلال فترة من أصعب الفترات التي شهدها الاقتصاد العالمي في ظل جائحة كورونا، وما أعقبها من تحديات اقتصادية عالمية،
وأكد الخبراء أن الاقتصاد المصري "أصبح صلبا لديه القدرة على امتصاص الصدمات"، بدليل ما حققه من مؤشرات إيجابية لمعدلات النمو، حيث سجل أعلى معدل نمو نصف سنوي بنسبة 9% من الناتج المحلى الإجمالي.
وقالت يمنى الحماقى أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس إن رفع صندوق النقد الدولى توقعاته لنمو الاقتصاد المصرى لـ 5.8% والذى كان اكبر من توقعات الحكومة 5.3% يمثل عاملا إيجابيا لأداء الدولة فى تنفيذ المشروعات القومية والبنية التحتية، ولكن الحكومة المصرية لديها تحد رئيسي، وهو المقاوم المحلي في القطاع الصناعي، وأهميته في رفع تنافسية الإنتاج الصناعي وزيادة الصادرات في السلع التي بها ميزة نسبية، مشيرة إلى أن الطفرة التي حدثت في مصر الفترة السابقة كان النمو بها إيجابي وجيد.
وأضافت أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، مصر حققت نتائج إيجابية من خطوات الإصلاح الاقتصادي، على الرغم من أنها كانت صعبة، ولكنها ضرورية لتوفير فرص عمل، وزيادة الصادرات المصرية للخارج. وعملت الدولة على بناء بنية تحتية قوية لتنويع الاقتصاد، بالإضافة إلى إنشاء العديد من المدن الصناعية وحجم صادراتها لم تحقق المرجو منها، لافتة إلى أن القطاع الزراعى حقق إنجازات خلال الفترة الماضية، وقاربنا على الاكتفاء الذاتى من القمح.
وأكدت أن التقارير الدولية أجمعت على قوة الاقتصاد وكانت إيجابية، ولكن مازال غير قادر على توفير فرص عمل، لأنها مازالت ضئيلة، نظرا لقدرة القطاع الخاص على توفير فرص عمل نتيجة لتحمله العديد من الأعباء، بجانب عدم قدرته على الابتكار، مما أدى إلى عدم قدرته على إنتاج المنتج المحلى.
وترى الحماقى أنه لابد من وضع استراتيجية للتدريب والتكنولوجيا للتشغيل وربط الصناعه بالتكنولوجيا المتطورة بالتعاون مع مراكز البحث العلمي والجامعات، للعمل على إنتاج المنتج المحلي وتنويع الاقتصاد، مع الاستفادة من الميزة النسبية فى كل محافظة.
ونجحت مصر فى السيطرة على معدلات الدين للناتج المحلي الإجمالي، وستظل كذلك طالما الاقتصاد المصرى ينمو ويكبر وتتنوع أنشطته، ومن ثم يتزايد حجم الناتج المحلي؛ فالنمو يجعلنا أكثر قدرة على وضع معدل الدين فى مسار نزولي مستدام، وقد انعكس ذلك فى تقارير مؤسسات التصنيف الدولية التى تتحرك بناءً عليها وجهات المستثمرين حول العالم، حيث ذكرت مؤسسة «فيتش» فى تقريرها الأخير، أن ارتفاع معدل الدين فى مصر، غير مقلق بالنسبة لمؤشرات الأداء الاقتصادى، فى ظل ما يواجه الاقتصاد العالمى من تحديات غير مسبوقة؛ تأثرًا بتداعيات جائحة كورونا، وما أعقبها من اضطراب فى سلاسل للإمداد والتوريد، والموجة التضخمية الحادة، وارتفاع تكاليف الشحن، وأسعار السلع والخدمات، الذى تضاعف مع الأزمة الأوكرانية؛ حيث تتوقع انخفاضه خلال السنوات المقبلة؛ إذ تستطيع الحكومة وضعه فى مسار نزولي خاصة مع الالتزام بالانضباط المالى والحفاظ على استدامة تحقيق فائض أولى، وخفض عجز الموازنة، وتحقيق معدل نمو.
وأكد الدكتور هشام إبراهيم أستاذ الاقتصاد والاستثمار بجامعة القاهرة، أن حجم الدين مازال غير مقلق طالما الاقتصاد المصرى قادرا على التحرك بالإيجاب وتخفيف معدلات نمو ونشاط اقتصادى مقارنه بدول العالم التى تواجه تحديات نتيجة الأزمة الروسية الأوكرانية، مؤكدا ان نسبة الدين للنتاج المحلى مازالت ضئيلة.
وأشاد إبراهيم بتحرك الحكومة لاحتواء الأزمة منها محاولة السيطرة على النقد الأجنبي والقرارت الذى اتخذها البنك المركزى برفع سعر الفائدة مما ساهم فى استقرار الاوضاع الاقتصادية.
ورفع صندوق النقد الدولى توقعاته فى تقرير«آفاق الاقتصاد العالمى» الصادر مؤخرًا، لمعدل نمو الاقتصاد المصرى من ٥,٦٪ إلى ٥,٩٪ بنهاية يونيه المقبل، كما قرر بنك «ستاندرد تشارترد» توسيع أنشطته في مصر؛ باعتبارها من الاقتصادات الأكبر والأسرع نموًا بالمنطقة، مما يؤكد أهمية التنفيذ المتقن لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، بما حققه من مكتسبات جعلتنا أكثر قدرة على الصمود أمام الاضطرابات الحادة والاستثنائية التي يشهدها الاقتصاد العالمى، وتلقى بظلالها على مختلف الاقتصادات خاصة الدول الناشئة.
وذكرت مؤسسة «ستاندرد آند بورز»، فى تقريرها الأخير أيضًا، أن التوسع الاقتصادى فى مصر يفوق توقعاتها بشكل كبير، على نحو يُمكِّنه من التعامل الإيجابي المرن مع الأزمة الأوكرانية، وتخفيف حدة هذه الصدمات الاستثنائية، وهناك شهادة من مؤسسة «ستاندرد آند بورز»، بأن مصر كانت من الاقتصادات القليلة التى نجحت فى تجاوز الانكماش الاقتصادى عام ٢٠٢٠، وتوقعاتها بأن يحقق الاقتصاد المصرى نموًا بنحو ٥,٧٪ خلال العام المالى الحالى، ويبلغ معدل العجز الكلى للموازنة نحو ٧٪ من الناتج المحلى الإجمالي فى العام المالى ٢٠٢٢/ ٢٠٢٣، بينما يصل متوسط عمر الدين ٣,٥ عام فى ٢٠٢٢ بدلًا من عامين فى ٢٠١٦
وأرجعت وكالة "فيتش" تثبيت التصنيف الائتماني لمصر عند (+B) مدعوما بـ"سجلها الأخير في الإصلاحات المالية والاقتصادية، واقتصادها الكبير ونموه القوي"، غير أنها حذرت من أن "تصنيف مصر لا يزال مقيدا بمقاييس السيولة الخارجية الضعيفة، وسط اعتماد كبير على استثمارات غير المقيمين في سوق السندات المحلية"، متوقعة نجاح محادثات مصر مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل جديد.
وأكد إبراهيم، أن تثبيت التصنيف الائتماني لمصر مع نظرة مستقبلية مستقرة، دليل على نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي منذ إطلاقه نهاية عام 2016 وحتى الآن في تحقيق كل مستهدفاته ،مما ساهم في مساندة الاقتصاد المصري لتجاوز أزمتي جائحة فيروس كورونا، والتي ظهرت في عام 2020 ونجح وقتها الاقتصاد في تخطي التداعيات السلبية للجائحة وتحقيق معدلات نمو إيجابية، وأزمة الحرب الروسية الأوكرانية.
وأضاف أن الاقتصاد المصري أصبح يتسم بالمرونة والقدرة على امتصاص الصدمات بدليل ما حققه من مؤشرات إيجابية لمعدلات النمو، حيث سجل أعلى معدل نمو نصف سنوي منذ بداية الألفية بنسبة 9% من الناتج المحلى الإجمالي، ويتوقع أن يحقق نموًا بحوالي 5.7% خلال العام المالي الحالي، متابعًا أن مصر تعمل على استكمال برنامج الإصلاح الهيكلي خلال الفترة المقبلة، تأكيدًا على تماسك الإصلاح الاقتصادي، وقدرته على تجاوز الأزمات.
وأشار إلى أن الدولة تتحرك على مختلف المحاور لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية الراهنة، حيث تقوم بالعمل على توافر مختلف السلع في الأسواق، وبأسعار مناسبة، كما حرصت عند التحريك الذي طرأ على أسعار المواد البترولية، على مراعاة امتصاص الدولة للجزء الأكبر من ارتفاعات الأسعار العالمية، وتحميل المواطن الجانب الأقل، وذلك في إطار جهود الدولة لتخفيف الأعباء على المواطنين، رغم التكلفة الهائلة التي تتحملها الدولة.