حالة من الارتباك يشهدها الاقتصاد العالمي فى المرحلة الراهنة، على خلفية الأزمة الأوكرانية، والتي باتت تمثل تهديدا صارخا للعالم، جراء حالة التضخم والركود الاقتصادي، ناهيك عن الأوضاع المتدهورة أصلا إثر تداعيات وباء كورونا، خلال العامين الماضيين، لتأتى التطورات الأخيرة على الساحة الأوكرانية، لتكون القشة التي قصمت ظهر عالم مازال لم يتعافى حتى الآن من تداعيات الأزمات المتلاحقة.
ففى ألمانيا، نجد أن ثمة العديد من الإجراءات التى اتخذتها الحكومة فى الآونة الأخيرة بهدف وحيد وهو احتواء التداعيات الكبيرة التي ترتبت على الأزمة الأوكرانية، وعلى رأسها الارتفاع الحاد فى نسبة التضخم، ناهيك عن تراجع واردات الغاز على خلفية التوتر الذى تشهده العلاقات مع روسيا فى المرحلة الراهنة.
فمع اندلاع العملية العسكرية فى أوكرانيا، اتجه قطاع كبير من المواطنين الألمان نحو تخزين السلع بصورة غير مسبوقة، حيث شهدت متاجر التجزئة ببعض مناطق ألمانيا، إقبال كبير من جانب المواطنين على شراء السلع الغذائية.
ومن جانبه، ناشد وزير التغذية الألماني جيم أوزدمير، الألمان إلى عدم الخوف وتكوين مخزونات غير ضرورية بسبب الحرب في أوكرانيا وارتفاع الأسعار.
وعن مستوى التضخم، أعلن المكتب الاتحادي للإحصاء في ألمانيا، أواخر الشهر الماضي، ارتفاع معدل التضخم في مارس بـ7.3% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ نحو 40 عاما وفقا للخبراء. وارتفعت أسعار المستهلكين في الشهر الجاري بنسبة 2.5 بالمائة مقارنة فبراير الماضي.
وهنا اتجهت الحكومة الألمانية نحو اتخاذ إجراءات من شأنها احتواء التدهور الاقتصادي، حيث قررت تحديد كميات السلع التي يمكن للمواطن الحصول عليها من المتاجر، وهو ما يمثل محاولة للقضاء على ظاهرة تخزين السلع، وبالتالي تقليل الطلب مما يساهم فى السيطرة على الأسعار.
أما فى إيطاليا، فالأوضاع الاقتصادية ربما لم تختلف كثيرا عن نظيرتها فى العديد من الدول حول العالم، إثر اندلاع وتفاقم الأزمة الأوكرانية، حيث عانت روما من التضخم وارتفاع الأسعار، بينما أصبح قطاع الصناعة هو الأكثر تأثرا بالأوضاع الراهنة.
فبحسب تقارير نشرتها وكالة "بلومبرج"، فإن المصانع الإيطالية توقفت تماما، فى جميع أنحاء البلاد.
توقف الصناعات فى الدولة الأوروبية، يساهم فى تقليص حجم صادراتها، وهو ما يعود بالسلب على النمو الاقتصادى فى صورته العامة، ولكن بعيدا عن لغة الأرقام الرسمية، يبقى المواطن هو الأكثر تضررا.
ففى دراسة أجرتها مراكز اقتصادية تابعة للاتحاد الأوروبي، نجد أن 25 ألف عامل بالمناطق الصناعية فى إيطاليا باتوا يعانون من البطالة، بعد مرور شهر واحد على اندلاع الحرب فى أوكرانيا، وهو ما يمثل رقما كبيرا.
أما عن صناعة الصلب تحديدا، فهى تعانى الأمرين إثر الاعتماد المطلق على الغاز الروسى، ما دفع المصانع فى هذا القطاع إلى تخفيض نشاطها بصورة غير مسبوقة.
بينما لم تكن بولندا هى الأخرى بعيدة عن الأوضاع العالمية وتداعياتها الكبيرة، لتتخذ هى الأخرى العديد من الإجراءات الاستثنائية، وأقربها ما اتخذه البنك المركزى البولندى برفع سعر الفائدة القياسى بنسبة 1%، ليصبح 4.5%.
الخطوة، وصفتها وكالة بلومبرج بـ"الصادمة"، ولكنها تبقى ضرورية فى إطار الإجراءات التي تتخذها الحكومة لمكافحة التضخم، والذى تجاوز 10.9% خلال شهر مارس الماضى.
المخاوف الكبيرة جراء زيادة التضخم فى بولندا تعود بصورة رئيسية إلى تأثيره المباشر على المواطنين فى ظل وتيرته المتسارعة، حيث ساهم بصورة كبيرة إلى تزايد أسعار السلع والخدمات لأكثر من مرة خلال الشهر الماضي وبنسب متفاوته، فى الوقت الذى فشلت كافة المحاولات الحكومية فى احتوائه.
الأمور ربما لن تتوقف عند هذا الحد، حيث صدرت بيانات حكومية لم تستبعد القيام بخطوات إضافية، فيما يتعلق بأسعار الفائدة، خلال الفترة المقبلة، حل استمرار وتيرة التضخم فى الارتفاع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة