بعد أقل من أسبوعين على الدعوة للحوار الوطنى، وقع الهجوم الإرهابى على محطة المياه فى سيناء، وحتى الآن المعلن أن تنظيما إرهابيا أعلن مسؤوليته عن الهجوم، وعلى مدى 6 سنوات واجه تنظيم داعش هزائم انتهت به إلى التقلص والانحسار فى مناطق الصعود بسوريا والعراق وتبقت منه جيوب فى بعض المناطق بفضل عمليات تنفس صناعى وإنقاذ من قبل مموليه وصناعه، وعلى مدى السنوات الأخيرة تمت إعادة انتشاره فى مناطق مختلفة بأفريقيا ودول المنشأ، مع تحول داعش إلى تنظيم مرتزق يعمل لمن يدفع، ويقوم بمهمته الأساسية كطرف فى حروب بالوكالة.
فشل التنظيم فى مصر، وعجز طوال ثمانى سنوات عن رفع راياته السوداء، ومعه كل المحاولات الإرهابية التى واجهتها مصر فى كل الأوقات من خلال خطط انتهت إلى فرض الاستقرار على كل أراضى الجمهورية، خاصة شمال سيناء، وأعلنت الدولة عن قرب إعلان سيناء خالية من الإرهاب، وربما كان هذا أحد أهداف العملية، خاصة أنه يتزامن مع حملات ومنصات وشائعات تتكرر كل مدة وتتضمن خلطا وتهدف فقط للتشويش.
وهنا يمكن التقاط الخيوط وربطها، حيث لا يمكن تجاهل التوقيت الذى وقع فيه الهجوم الفاشل على محطة مياه بسيناء، وتزامنه مع ما يجرى فى المنطقة من تحولات، وأيضا ما يجرى فى مصر على ساحة السياسة، وإعلان الدولة عن مبادرة للحوار السياسى تضم الجميع دون استثناء، مع اتفاق ضمنى على استبعاد كل من ارتكب الإرهاب أو حرض على الدم بالفعل أو القول، مع تأكيد كل الأطراف على ضرورة استبعاد كل فرد أو تنظيم تورط فى العنف أو حرض عليه، أو شارك فى دعم ومناصرة الإرهاب على مدى السنوات الأخيرة، وهى أطراف معروفة أصيبت بالهستيريا من التوثيق للإرهاب وكشف الخيوط السرية التى تربط التنظيمات الإرهابية بالتنظيمات التى تتبرأ من العنف شكلا وفى المضمون تحرض عليه وتحتفى به، ومن الصعب تصور صدق البيانات التى صدرت من جهات وتنظيمات اعتادت الدفاع عن الإرهاب والاحتفاء بالعمليات الإرهابية، خاصة مع ما نصبوه من مناحة وضغوط من منصات ولجان الدعاية، للانخراط فى حوار ليسوا مدعوين إليه، وبالتالى فإن العملية الإرهابية الفاشلة تحمل بعض الدعاية لكون الإرهاب قائما، بينما هو لفظ أنفاسه، ولم تتبق منه سوى جيوب يتم توظيفها مثلما يجرى طوال السنوات الماضية.
وإذا كان الأمر كذلك فإنه يتوقع أن تتواصل محاولات خلط أسماء الإرهابيين مع النشطاء أو السياسيين المطلوب خروجهم ضمن قوائم لجنة العفو، وفى نفس الوقت فإن التيارات السياسية عليها أن تنتبه إلى هذه الخطوط المتقاطعة، وعدم تجاهل التهديدات الإرهابية، والتى تراجعت بعد 8 سنوات، لكنها لا تزال تمثل خيطا يجب الانتباه إليه وإلى تشابكاته مع ما يجرى على ساحة السياسة.
وإذا كانت التيارات السياسية والأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع الأهلى قد أدانت الهجوم الإرهابى، فإنه على القوى المنضمة حديثا إلى الحوار الوطنى أن تنتبه للإرهاب كتهديد واقع، ليس فقط فى مصر لكن فى المنطقة، وأن الإرهاب يتغذى على التطرف والأفكار العنصرية والكراهية والطائفية، وأن أى تيار سياسى يفترض أنه يدرك حجم التهديدات، وما يمكن أن يحدث فى حال تركت التنظيمات الإرهابية أو حققت أى خطوات أو فوز خلال السنوات الماضية، وأن دحر الإرهاب تكلف كثيرا ماديا ومعنويا وبشريا، وكان الرئيس حريصا أثناء إفطار الأسرة المصرية على إعلان هذه الأرقام، 84 مليار جنيه، وشهداء ومصابين لا يقدرون بثمن، 3277 شهيدا، و12 ألفا و280 مصابا بعضهم بإصابات بالغة، وهذا الثمن لا يجب أن ينسى، أثناء أى حوار سياسى أو حديث عن المستقبل، وأن من يتجاهل هذا أو يسعى للتقليل منه لا يدرك حجم ما جرى خلال 8 سنوات كبيسة وصعبة، حتى لا يبدو الأمر مجرد كلام ينتهى إلى فراغ، خاصة أن بعض ممن يقضون عقوبات فى اتهام بالإرهاب، لا يمكن أن يتساووا بالنشطاء أو المتهمين فى قضايا ومخالفات للقانون، أو على ذمة قضايا، وهذه التفرقة تلعب دورا مهما فى التمييز بين الجاد والهازل أو من يريد دورا، بل إن من يشاركون فى الحوار ما زالوا يواجهون ابتزازا واتهامات تهدف لقطع أى حوار نحو المستقبل.. من هنا يجب أن يكون الإرهاب وتهديداته حاضرين فى حوار يرسم خطوط العمل السياسى خلال المرحة المقبلة.