بيشوى رمزى

الحرب على الإرهاب.. استراتيجية مصرية "عابرة للحدود"

الأربعاء، 11 مايو 2022 05:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما لم يكن الهجوم الإرهابي الجبان الذى استهدفت به جماعات الظلام محطة مياه في سيناء، وارتقى على إثره 11 شهيدا من جنود القوات المسلحة المصرية، أكثر من مجرد "حلاوة روح"، بهدف إثبات الوجود، بعدما تواترت الهزائم ولاحقتهم، من كافة النواحي، سواء فيما يتعلق بالملاحقات العسكرية، والتي أدت إلى تطهير العديد من المناطقة، في تلك البقعة الغالية من أرض مصر، من العناصر المتطرفة، أو تجفيف مصادر التمويل، ناهيك عن حرمانهم من سلاح الحشد الذي طالما اعتمدوا عليه، سواء لتجنيد ألاف الشباب، عبر الترويج لأفكارهم المسمومة، ونشر الأكاذيب، عبر استغلال الطفرة التكنولوجية الهائلة، في بث العديد من مقاطع الفيديو الدعائية، والتي استهدفت قطاعا من الشباب، تحت ستار الدين، للانضمام إليهم، أو للعمل تحت رايتهم في دول مختلفة، وهو الأمر الذى انعكس بصورة صريحة، في تطور كبير في نشاط تلك الجماعات، والتي تحولت نحو نشاط أكثر توسعا، منذ العقد الماضي، عبر استهداف العديد من مناطق العالم.
 
ولعل التحول الكبير في نشاط الجماعات الإرهابية، نحو العالمية، يمثل انعكاسا صريحا لصدق الرؤية التي تبنتها الدولة المصرية، والتي طالما أطلقت تحذيراتها للعالم، جراء غياب العمل الدولي الجماعي في مجابهة تلك الظاهرة، فصارت التهديدات تضرب غربا وشرقا، دون تفرقة، مما ساهم في تعزيز الدور القيادي الذي تلعبه مصر في مجابهة الإرهاب، خلال السنوات الماضية، وتحديدا منذ ميلاد "الجمهورية الجديدة"، عبر العديد من المسارات المتوازية، بدءً من ملاحقة المتطرفين في الداخل، مرورا بالقيام بدور فعال في مجابهة التهديدات الإرهابية، في مناطقها الجغرافية، وصولا إلى تعميم التجربة المصرية، في العديد من الدول الأخرى، التي باتت تعاني هي الأخرى، من نار التطرف، وهو ما بدا في العديد من العمليات التي شهدتها دولا كبيرة سواء في أوروبا أو دولا أخرى حول العالم.
 
التجربة المصرية في الحرب على الإرهاب، خلال عهد "الجمهورية الجديدة"، تبدو أكثر شمولا، إذا ما قورنت بالعقود الماضية، والتي اقتصرت على الجانب الأمني، بينما امتدت مؤخرا لتشمل العديد من المسارات، منها "الحرب الفكرية"، من خلال مبادرة "تجديد الخطاب" داخل المساجد، والتي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي تهدف إلى تفنيد الأفكار التي تسعى لترويجها تلك الجماعات وتصحيحها، بالإضافة إلى حملات إعلامية، كبيرة، عبر كبار العلماء، تقوم بالدور نفسه، وهو ما ساهم إلى حد كبير في تصويب المفاهيم لدى قطاع كبير من الشباب المتحمس لـ"نصرة الدين"، دون وعي أو إدراك بحقيقة مفادها أن ما تروجه جماعات الظلام هو أبعد ما يكون عن سماحة الدين واعتداله، واتساعه للجميع، دون تفرقة.
 
الرؤية التي تبنتها مصر في إطار تصحيح الأفكار، لم تقتصر في نجاحها على الداخل، وإنما امتدت إلى العديد من الدول الأخرى، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، وإنما العالم بأسره، إلى حد استلهامها من قبل دول غربية، على غرار فرنسا، والتي تبنت نهجا مشابها في السنوات الماضية، وهو ما يبدو في قرارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بتشكيل "منتدى الإسلام" في فرنسا، في يناير الماضي، ويقوم عمله على العديد من المحاور، أهمها إعداد الأئمة، والخطباء المحليين، وذلك في إطار رؤية سبق وأن أعلنتها باريس بعدم الاعتماد على الأئمة القادمين من الخارج في المساجد الفرنسية، لمجابهة الأفكار المتطرفة، التي تعمل على خدمة أجندات بعينها، بينما تبتعد كل البعد عن مبادئ الجمهورية الفرنسية، بالإضافة إلى تعارضه الأساسي مع تعاليم الدين السمحة، مما وضع المجتمع الفرنسي تحت نير التهديدات الإرهابية.
 
وهنا نجد أن ثمة استلهام فرنسي للنهج المصري، والقائم على العمل على مسار فكري، يهدف إلى تصحيح الأفكار المتطرفة، التي يروج لها المتطرفون، لتحقيق أهدافهم في السطو والسيطرة، ولتنفيذ أجندات خاصة بالعديد من الجماعات، وربما الدول الأخرى الداعمة للإرهاب، جنبا إلى جنب مع المسار التقليدي القائم على الملاحقات الأمنية للعناصر المتطرفة، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لنجاح "الجمهورية الجديدة" ليس فقط في حشد العالم وراء رؤيتها، المناهضة للإرهاب، وإنما أيضا في تعميم أجزاء كبيرة من تجربتها في الحرب الشرسة التي خاضتها منذ ولادتها، بحسب ما يتناسب مع طبيعة الظروف التي تعيشها كل دولة، وكذلك حجم التهديدات التي تواجهها، خاصة مع تفاقم الظاهرة خلال السنوات الماضية.
 
محاور الحرب المصرية مع الإرهاب، لم تقتصر على الجانبين الأمني والفكري، وإنما حملت بعدا أخر، يعتمد على "القوى الناعمة"، عبر الدراما التلفزيونية، والتي اعتمدتها الدولة في السنوات الأخيرة، ليس لمجرد استعراض الجهود التي بذلتها، وما دفعته من دماء غالية، من أبناء قواتها المسلحة وشرطتها، في مجابهة جماعات الظلام، الذين سعوا إلى "وأد" إرادة الملايين الذي نادوا بسقوطهم في ثورة 30 يونيو، وإنما أيضا لكشف أهدافهم الدنيئة، ومخططاتهم لتدمير الدولة واستحلال دماء مواطنيها، وهو الأمر الذي أزال قناع "المظلومية" الذي بدا خلال مخاطبة تلك الجماعات لدول الغرب، في محاولة لاستنفار الجماعات الحقوقية، التي طالما غضت البصر عن الانتهاكات المتلاحقة التي ارتكبتها الميليشيات المتطرفة وتهديداتهم أمام الكاميرات، من أجل الضغط على الدولة لأهداف خاصة.
 
ويعد توقيت العملية الأخيرة التي استهدفت الجنود المصريين في سيناء، في أعقاب النجاح الكبير الذي حققته الأعمال الدرامية، عبر مزيج عبقري من الدراما والتوثيق، خلال شهر رمضان، وعلى رأسها مسلسلي "الاختيار" و"العائدون"، أحد دلائل الانتصار الكبير الذي حققته "القوى الناعمة" في مواجهة الإرهاب، ليس فقط على خلفية فضح مخططاتهم وأهدافهم أمام المصريين، وإنما أيضا أمام العالم، ليخسروا تعاطفا كبيرا حظوا به من قبل جهات عدة، لن تعد قادرة على الدفاع عنهم، لتتخذ منحى جديدا يقوم على التبرؤ منهم، وإدانتهم، إلى جانب نجاح أمني كبير في ملاحقتهم، وتطهير الأرض من ميليشياتهم المتطرفة.
 
ولعل الجانب الوثائقي في الأعمال الدرامية، كان كاشفا إلى حد كبير، وبالتالي لم تقتصر تداعياته على الداخل، بل كان محلا لاستقطاب وكالات الأنباء العالمية، والتي سعت إلى تسليط الضوء، على ما تم عرضه خلال الحلقات، عبر نشر لقطات الفيديو، التي فضحت الرؤى التي تبناها قيادات الجماعات الإرهابية (صوتا وصورة)، في انعكاس صريح للتأثير الكبير "العابر للدول"، الذى حققته "القوى الناعمة"، في معركتها ضد الإرهاب، وهو ما يمثل دليلا أخر على نجاح تلك الأداة، في تحقيق الهدف منها، عبر مخاطبة العالم بأسره، وإبراز الخطورة التي تشكلها أفكار تلك الجماعات قبل سلوكها أمام شعوب وأنظمة الدول الأخرى في مختلف مناطق العالم، وليس مجرد حشد الدعم بين المصريين، الذين كشفوا معظم الحقائق مبكرا، وثاروا عليها، ليعلنوا ميلاد "الجمهورية الجديدة"، في 30 يونيو.
 
وهنا يمكننا القول بأن الأدوات المصرية في الحرب على الإرهاب، تجاوزت البعد الأمني، بينما كانت نتائجها تتجاوز بالتبعية مجرد الداخل، ولكنها اعتمدت آليات متزامنة ومتوازية تهدف إلى اجتثاثه من جذوره، عبر جوانب كاشفة للحقائق مكتملة، تحمل أبعاد فكرية بحثية، تفند أفكارهم المغلوطة، وأخرى ناعمة كاشفة، تفضح أفكارهم ومخططاتهم، في إطار استراتيجية تبدو "عابرة للقارات"، نجحت في تجريد جماعات الظلام مما يمكننا تسميته بـ"جناحي" الحشد، سواء البشري، عبر استقطاب الشباب للانضمام إليهم، أو الدولي، عبر "بكائيات" اعتادوا على إطلاقها، للاستنجاد بالدول الأخرى لممارسة الضغوط، والحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة