"أنتَ سيِّدُ قرارِكَ.. فبكلمةٍ منكَ تستطيعُ أن تخرجَ من هذا السجنِ اللَّعينِ الذي أصبَحْتَ فيه عبدًا للسيجارةِ، وحقلاً خصبًا لكلِّ الكوارثِ والمصائبِ التي تفعَلُها في صدرِكَ وقلبِكَ وضغطِكَ ومفاصِلِكَ وأعصابِكَ"، بهذه العبارات الرشيقة والكلمات الساحرة، تعرفت على الكاتب الكبير والصحفي المخضرم صلاح منتصر، منذ كنت طالباً في المرحلة الثانوية، وكان مقال الراحل الكبير "أنت سيد قرارك" جزء من المنهج الدراسي للغة العربية، وقد استطاع من خلاله أن يوجه نصائحه المخلصة لكل المدخنين للإقلاع عن هذه العادة اللعينة، التي تقتل صحتهم وأموالهم في وقت واحد.
القراءة اليومية العابرة لكاتب أو صحفي تختلف كثيراً عن دراسة النصوص، والتعرف على تجربة صاحبها، واكتشاف مواطن الجمال، والتراكيب اللغوية التي استخدمها بالرصد والبحث والتحليل، وقد أصبح مقال صلاح منتصر عن التدخين رمزا للأجيال الشابة، التي مرت جميعها على منهج اللغة العربية في الصف الثالث الثانوي، لذلك كان تعلقي به كبيراً، ربما دفعني إلى اختيار كلية الإعلام طريقاً للكتابة والصحافة، حباً في أسلوبه وإيمانا برسالة الصحافة، التي تعبر عن نبض الجماهير وتبحث عن همومهم ومشكلاتهم.
صلاح منتصر ليس مجرد كاتب صحفي في الأهرام أو صاحب عمود يومي مميز - مجرد رأي – بل واحد من العمالقة الكبار الذين عاصروا مجد الصحافة وقدرتها على صناعة الرأي العام والوصول إلى الجماهير وربط القارئ بها، لذلك في تصوري أن الأهرام لم تفقد عموداً لأبرز كتابها، بل فقدت عموداً في بينان الأهرام ذاتها، وجزء من تاريخها العريق.
شاهدت قبل عدة أعوام لقاء تلفزيوني للكاتب الكبير صلاح منتصر، يتحدث خلاله عن تجربته في الديسك المركزي لصحيفة الأهرام إبان حربي 1967 و1973، وكيف كان يروى بمرارة تجربة النكسة، والتضارب الكبير الذي شهدته الأخبار والأنباء عن سير الحرب في أيامها الأولى، وعلاقته برئيس التحرير محمد حسنين هيكل، وكيف استقبل أخبار النصر في أكتوبر 1973، وقد كان الديسك المركزي للأهرام، الذى يشرف عليه فى تلك الفترة صلاح منتصر، صاحب أبرز العناوين التي خلدها التاريخ " قواتنا عبرت القناة واقتحمت خط بارليف".
رحيل صلاح منتصر خسارة كبيرة للوسط الصحفي في مصر والعالم العربي، وما زلت لا أصدق أن الأهرام ستخرج على قرائها في الفترة المقبلة بدون مقال "مجرد رأى"، الذي كنا نتعلم منه ديمقراطية الحوار، وأدب النقد، وفلسفة الكتابة، وجوهر الصحافة، التي تستهدف خدمة الناس وصناعة وعيهم، كل الدعوات المخلصة والرحمات للكاتب الكبير صلاح منتصر، وخالص التعازي لأسرته وأصدقائه وتلاميذه، متمنياً أن يلهمهم الله الصبر والسلوان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة