بيشوى رمزى

أوروبا والأزمة الأوكرانية.. واختبار جديد للديمقراطية

الأربعاء، 25 مايو 2022 02:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
على الرغم من الولايات المتحدة، وضعت نفسها في موقع "قائد" الديمقراطية في العالم، منذ بزوغ نجمها على الساحة الدولية، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلا أن النموذج الذي سعت إلى تقديمه ارتبط بفرض رؤيتها على محيطها الدولي، بعيدا عن الظروف التي تعيشها كل دولة، وما إذا كانت تلك الرؤية تناسبها أم لا، وهو ما خلق حالة من "التشوه" لدى المفهوم نفسه، فصارت الديمقراطية بمثابة الرسالة التي تنشرها واشنطن بـ"القمع"، عبر التضييق على الدول الخارجة عن إرادتها، سواء بالعقوبات أو المنع وحتى التدخل العسكري المباشر، بينما كان حلفائها في الغرب الأوروبي، بمثابة "المحلل" للسياسات الأمريكية طيلة عقود طويلة من الزمن، مما منحها قدر من الشرعية ناهيك عن المساهمة الفعالة في ممارسة الضغوط على "المارقين".
 
ولعل النماذج عديدة في هذا الإطار، ربما يتصدرها المشهد العراقي، قبل ما يقرب من عقدين، عندما آثرت واشنطن الاحتلال العسكري لبغداد، وهي الخطوة التي فقدت الشرعية الأممية، تحت الشعار الذي سبق وأن رفعه الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش "من ليس معنا فهو ضدنا"، في أوروبا الغربية، بينما تكرر الأمر في السنوات القليلة الماضية، إثر الصراع التجاري بين الصين والولايات المتحدة، لترفع إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب نفس الشعار، ولكن هذه المرة في مواجهة حلفائه في أوروبا الغربية، الذين اتجهوا لبكين في أعقاب القرار الأمريكي بالعودة لزمن للتعريفات الجمركية، ناهيك عن حزمة تهديدات كبيرة شملت مناحي الاقتصاد والأمن وحتى السياسة، تعكس تخليا أمريكيا صريحا عن الحلفاء.
 
ولكن بعيدا عن الماضي، يبدو أن مفهوم الديمقراطية على موعد مع اختبار جديد، ولكن هذه المرة داخل أوروبا، إثر الانقسام الراهن بين دول الاتحاد الأوروبي، حول الكيفية التي ينبغي التعامل بها مع روسيا، والتي تدور بين العقوبات، ومقاطعة الغاز، وغيرها من الإجراءات التي لن تقتصر تداعياتها على موسكو، وإنما تمتد إلى دول القارة العجوز، وهو ما يبدو في مواقف أوروبية صريحة أبدت معارضة شديدة لفكرة التخلي عن الغاز الروسي، على غرار المجر، وألمانيا، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كان الكيان الأوروبي المشترك قادر على الوصول إلى صيغة مناسبة لاحتواء ما يمكننا تسميته بـ"المعارضة" داخله، أم أنه سيتخذ نهجا قمعيا لإجبار الجميع على الدوران في نفس الفلك.
 
في الحقيقة، يبدو الاتحاد الأوروبي هو بمثابة "النموذج" الذي يمكن القياس عليه، فيما يتعلق بمفهوم الديمقراطية بين الدول، أو ما يمكننا تسميته بـ"الديمقراطية الدولية"، على اعتباره كيان يمثل، في واقع الأمر، دولة متجاوزة للحدود التقليدية، في إطار أوروبا الموحدة، وهو ما لا ينطبق إلى حد كبير عند الحديث عن القيادة الأمريكية، والتي فشلت، في تحويل العالم إلى كيان موحد تحت قيادتها، رغم مساعيها لتحقيق ذلك، عبر نشر مبادئ العولمة والتجارة الحرة، ناهيك عما سبق وأشرت إليه فيما يتعلق بتعميم النموذج الأمريكي، وهو ما ثبت فشله تماما، في العديد من التجارب التي خاضتها واشنطن، بدءً من فيتنام، مرورا بفنزويلا وكوبا وحتى العراق وأفغانستان.
 
إلا أن حالة الاتحاد الأوروبي، ربما تكون مختلفة، في ظل العديد من المعطيات، أهمها العامل الجغرافي المحدود، على اعتبار أن مفهوم الوحدة لا يخرج عن الإطار القاري، وليس في الإطار العالمي على أساس الرؤية التي سبق وأن تبنتها واشنطن، في إطار إرساء قواعدها كقائد للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، ثم تعزيز هيمنتها في أعقاب الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتى، بالإضافة إلى نجاح الاتحاد الأوروبي في الصمود لسنوات طويلة، رغم ما انتابه من تحديات في السنوات الأخيرة، بدءً من خروج بريطانيا، والتعامل مع كورونا، ناهيك عن صعود اليمين المتطرف في العديد من دول القارة، وحتى الأزمة الأوكرانية التي وضعت أبعادا جديدة للوحدة الأوروبية.
 
وهنا يمكننا القول بأن مفهوم الديمقراطية على موعد مع اختبار جديد، حيث تبقى الفرصة سانحة أمام أوروبا الموحدة، لطرح رؤية جديدة، في إطار الديمقراطية الدولية، بعيدا عن مفهوم "العالمية"، الذي تبنته واشنطن، من خلال ترك مساحة للدول الأعضاء داخل الكيان المشترك للتعبير عن توجهاتهم ورؤيتهم، طبقا لظروفهم ومصالحهم، بعيدا عن سياسات العقوبات والتضييق الذى طالما تبنته دول المعسكر الغربي لفرض رؤيتها على العالم في العقود الماضية.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة