القرار كلمة شجاعة تبدل المصائر ولا ينطقها سوى قلب مؤمن.. وكان الكلمة التى طمأنت القلوب وغسلت الأنفس ورسمت البسمة ومنحت الأمل وأعادت الروح فى مصر
كلمة واحدة قد ترفع صاحبها لأعلى مكانة وقد تدفع به لأسفل قدر، كلمة واحدة قد تنجى من مهالك وكلمة قد تشعل فتيل لا ينطفئ من الفتنة، كلمة واحدة، أو موقف واحد، أو قرار واحد، يغير المصائر ويبدل الأحوال، كلمة يقولها «بطل» بشجاعة فينزع فتيل الفتنة، وينقذ بلدا كانت على وشك الهلاك والدمار، وكلمة يخشى من قولها «جبان» فيسحب البلاد والعباد لنار لا تنطفئ، وإن أردت أن تدرك قيمة الكلمة وقوتها وتأثيرها الذى يمتد لملايين السنوات، فتذكر أن إبليس خرج من جنة ربه بكلمة ندفع ثمنها حتى اليوم، وأن حواء أغوت آدم بكلمة غيرت بتأثيرها مصير الكون، وأن آدم عصا أمر ربه بكلمة حرمته من جنة الخلد، فالكلمة سلاح لا يقوى على حمله سوى شجاع يعلنها صراحة ويتحمل مسؤوليتها ويدافع عنها طالما كانت كلمة الحق.
نعم «الاختيار 3» كان كلمة الحق، والقرار كان القرار الحق، فمصر كانت تمر بمرحلة لم تمر بمثلها من قبل، دولة عظيمة امتد عمرها لآلاف السنوات وأسست واحدة من أقدم حضارات العالم ومر عليها كل الحلو والمر، لكن فى تقديرى كانت فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية هو الأسوأ والأمر على الإطلاق، ولم تواجه مصر رغم كل ما واجهت خطرا حقيقيا مثل هذا الخطر، والسبب هو المصريون، فى كل مرة تأتى المحنة أو يقابلهم الصعب تجدهم ملتحمين، لا تمييز بين الغنى والفقير فيها، لا تعرف مسلميها من مسيحييها، لا تفرق بين المتعلم من أبنائها وبين الأمى منهم، تتشابه وجوههم وتتوحد قلوبهم وتسمع من الملايين صوتا واحدا متناغما يهز قلوب أعدائه ويرهبهم، لكن الخطر الحقيقى فى هذه «السنة الكبيسة» هو أن المصريين ولأول مرة فى تاريخهم تفرقوا، كانوا على أعتاب فتنة كبرى زرعها الإخوان الإرهابيون، بداية من كونك إخوانيا أم لا، مسلما أم مسيحيا، محجبة أم متبرجة، فتنة وتفرقة وشجارات واختلافات، اشتعلت نار الفتنة بين الإخوة وبين الأصدقاء، وشهدت مصر موجة كبيرة من الخلافات الحقيقية، وأراهنك عزيزى القارئ أنك تتذكر الآن صديقا لك عاشرته لسنوات وأكلت معه العيش والملح قاطعته بسبب الإخوان، وكانت هذه القطيعة تمتد لتصل للأشقاء، لم نكن نختلف وقتها، كنا نكفر بعضنا البعض ونخون بعضنا البعض، وهذه كانت الطامة الكبرى، والفخ الذى نصبته الجماعة الإرهابية للقضاء على مصر، فمصر قوتها فى تلاحمها وترابط مؤسساتها بشعبها بشوارعها، وما أراده الإخوان هو تفكيك هذا التلاحم لإضعاف مصر ثم القضاء عليها وإعلان الخلافة والجمهورية الإسلامية.
نعم، كان هذا المخطط الذى أعلن حتى قبل وصول جماعة الإخوان الإرهابية للحكم، وإن أردت التأكد من ذلك ادخل على جوجل واكتب «حوار الطظ» واقرأ ذلك الحوار للصحفى المميز الأستاذ سعيد شعيب لصحيفة روزاليوسف فى عددها الصادر بتاريخ 9 إبريل 2009، عندما سأل الأستاذ سعيد شعيب مرشد الجماعة وقتها مهدى عاكف ماذا لو احتلت دولة إسلامية من آسيا مثلا فلسطين، هل سيكون موقفكم من القضية نفسه الموقف الحالى، فرد عليه لا يمكن إطلاق كلمة احتلال على حكم إسلامى، وفى هذه الحالة تكون خلافة إسلامية، فتعجب الصحفى الكبير من الرد ورفضه وأعلنها فى وجهه «أنا مصرى ولا أقبل بهذا المنطق، ولا أقبل أن يحكمنى غير مصرى حتى لو كان مسلما، فرد عليه عاكف بمنتهى «الخيانة» طظ فى مصر واللى جابوا مصر»، وحقيقة أعتذر عن الجملة عزيزى القارئ لكننى أتذكرها وأذكرك بها لتتأكد أن تفتيت مصر وإقامة خلافة إسلامية تمتد من مصر لسوريا للعراق لأفغانستان لأقصى مدى كان هو الحلم والهدف الذى تسعى إليه الجماعة الإرهابية وتعمل على تحقيقه مهما كان الثمن، فكان للجماعة ميليشيات إرهابية مسلحة من جنسيات مختلفة تعتبرها جيشها الخاص، وهذه الميليشيات رفعت بالفعل سلاحها فى وجوه المصريين وفقدنا آلاف الشباب والرجال من رجال القوات المسلحة المصرية ومن شباب البلد الذى خرج قائلا لا فى وجه الجماعة ومكتب الإرشاد ومن اختاروه ليكون رئيسا لمصر.
نعم، كان المسلسل مهما فى هذه المرحلة ليكون وثيقة تاريخية غير قابلة للتكذيب أو التشكيك أو النكران، وليكون مفسرا للعديد من القرارات والأحداث التى عاشها ملايين الشباب دون الإلمام بالكثير من خباياها وكيفية صناعتها، وليكون مرشدا لأجيال صغيرة تشاهده وتسأل فى شغف عن تفاصيله وكيف مرت على المصريين ولتتعلم هذا الأجيال القوة من رجال مصر، والشجاعة من شعبها، والبسالة من جيشها، وطهارة القلوب من عمالها، والجدعنة من نسائها، ولتدرك هذه الأجيال قيمة التضافر والتناغم، وتدرك قوة التماسك وتنبذ التفرقة والفتنة، فلا ترى لمصر سوى وجها جميلا للوطن مرسوما على ملامحه كل أطياف الشعب، ولا تشعر بمصر سوى بقلب واحد يختلف بين أطيافه وفئاته لكنه لا يختلف أبدا على حب الوطن والإخلاص له، ولا تجد لمصر سوى ضمير واحد يجتمع أبناؤه عليه فى الخير والشجاعة.
نعم كان القرار ضرورة حتمية، وكان الاختيار بين السكوت عن وضع سيدخل البلاد فى ظلمات الفتنة وبين عزل «مرسى» ضرورة، ولولا فضل الله على مصر ونعمته على شعبها برجل كفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى يعرف قيمة الكلمة ويمتلك ذلك القلب لكانت كل المصائر تبدلت، فمصر فى هذه المرحلة لم تكن تحتاج سوى لرجل يقول الكلمة الحق فى وقتها المناسب ليمنع بحورا من الدم كانت لتسيل من المصريين بأيدى المصريين وغير المصريين، ولينقذ مؤسساتها من الانهيار، وليأخذ بثأر كل من غابت روحه عن الدنيا برصاص الإخوان الغادر ولينقذ أجيالا صغيرة من مستقبل مظلم كان ينتظرهم ليصبحوا فيه إرهابيين لا يعرفون سوى الدم، فكانت الكلمة التى طمأنت القلوب وغسلت الأنفس وأعادت القوة للمؤسسات ورسمت البسمة على وجوه الأمهات ومنحت الأمل للشباب، نعم كانت كلمة الرئيس السيسى هى الكلمة التى أعادت الروح فى مصر.
نعم كان المخلوع مرسى أسوأ ما مر على مصر، فعلى مدار التاريخ وفى كل الكتب والروايات وفى مختلف بلاد العالم، سمعنا عن الديكتاتور، وعن الفاسد وعن الجبان وعن الضعيف لكن أبدا لم نسمع عن رئيس جمهورية «متآمر» على البلد التى يحكمها، يريد لها الضعف والهوان والتفتيت، ماذا ستحكم لو انهارت أيها المتآمر، لكن إن نظرت إلى المشهد بأكمله ستعرف أنه لم يكن ليهتم هو مجرد أداة منفذة لأوامر الجماعة ولا يملك سوى السمع والطاعة حتى لو على حسب نفسه ووطنه، هو ضئيل ويعلم قدره جيدا ولا يريد أن يجتهد فى إصلاح هذا الأمر حتى لو امتدت إليه كل أيدى المساعدة، وهو كما ظهر جليا مرات كثيرة من خلال أحداث المسلسل، فكم مرة أراد الرئيس السيسى نصحة وطمأنته والوقوف بجانبه لمصلحة الوطن، لكن سواد القلب منعه من تقبل نصيحة المخلص، فأغلق عينيه عن الحقائق وانسدت أذناه عن الحق وسار على الطريق الذى كان يرسمه له مهندس الإرهاب خيرت الشاطر وهو فى أعماق قلبه غير راض ويعلم أنها خطوات تهينه وتصغر من حجمه وآخرها ستكون نهايته، لكنه «وهو رئيس الجمهورية» لا يملك أن يقول للجماعة «لا» هذا خاطئ، هو لا يملك أن يقول «للجماعة» أنا الرئيس ولستم أنتم، اتركوا لى الحكم، هو فى أعماق قلبه يعلم دوره ووزنه ولا يجتهد فى تغيرهما لصالح نفسه أولا قبل الوطن، فمرسى والحق يقال أضعف من أن يؤذى مصر هو وجماعته الإرهابية، لأن لمصر رجالا وشعبا يحمونها ويدفعون فى سبيل أمنها الغالى والرخيص، ولم تكن لتسقط أو تضغف يوما، ولو كان قبل بالنصيحة لكان أنقذ نفسه فقط، أما مصر فلها رجالها.
نعم استمتعنا، ونعم تعلمنا، ونعم استعدنا مشاعر عشناها واشتقنا لجمال ونقاء الإحساس بها، ونعم أدى كل فريق عمل مسلسل الاختيار أدوارهم فى كل الأجزاء على أكمل وجه، فمن ينسى «أحمد المنسى» ابتسامة الوطن، البطل الذى صار بموته حيا فى كل بيوت المصريين، وكتب بشجاعته وبسالته ملحمة وطنية تدرس، وصار هو البطل فى عيون الأطفال الصغار المهووسين بالأبطال الخارقين فى أفلام الكارتون، فينسى الأطفال «سبايدر مان وسوبر مان وهالك» وتصير أسطورتهم وقدوتهم «المنسى»، بسبب ما شاهدوه فى المسلسل، ومن ينسى ويلات ما شاهده المصريون أيام اعتصامى رابعة والنهضة والإجرام الذى تصدى له رجال الجيش والشرطة، ومن ينسى كلمة وصورة اللواء محمد جبر مأمور قسم كرداسة الذى استشهد حاملا سلاحه فى القسم يحميه، فكتب ملحمة فى الشجاعة، ومن منا ينسى هذا العام الكابوس الذى عشناه فى مصر وكأنها بلد غير البلد.
نعم كنا فى أمس الحاجة للاختيار، وكان الوطن فى أمس حاجته للقرار، وكان الشعب فى أمس الحاجة للتذكر والفهم، وكانت الأحداث تحتاج للتوثيق، ليرى الجميع أن قلب مصر دائما يجمع محبيها وحضنها يستع لأبنائها المخلصين ورجالها دائما، وعلى رأسهم فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى، لا يعرفون معنى للانتماء سوى لتراب هذا الوطن وقلوبهم لا تعرف من العشق إلا للوطن ولا تعرف إلا النضال.
نسأل الله رحمة على من استشهد بالأمس، ونسأله حماية من يناضل اليوم، ونسأله حفاظا على مصر، رئيسا وجيشا وشرطة وشعبا آمنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة