لم يستسلم لإعاقته بالشلل النصفى التى ألمت به إثر حادث سير فى طفولته فى موطنه بمدينة الطور بجنوب سيناء، ونجح فى استثمار عقله وما تبقى من حركة لديه فى العمل وهو فى مقتبل عمره مرشدا سياحيا لأفواج السائحين الأجانب والعرب والمصريين، ثم بائعا فى محل يوفر لزبائنه أعشاب سيناء الطبية والعطرية فى محل بمدينة شرم الشيخ، وأخيرا قادته رحلة البحث عن الرزق الحلال لمزرعة فى مدينة طور سيناء فيها يزرع ويربى الغنم، وهو مشروع بدأه من الصفر بجهد ذاتي.
رحلة كفاح قطعها عم "حسين حسان درويش"، على مدار أكثر من 40 عاما من أجل لقمة العيش خلالها تناسى إعاقته وقهرها كما تناسى وقهر كل فشل قد يعترض طريقه وهو يسعى لكسب رزقه، ويقوم بدوره كشخص فاعل بين أفراد مجتمعه.
وروى لـ"اليوم السابع" تفاصيلها من مدينته الطور التى فيها يدير كل أمور حياته من على كرسى متحرك، لا يتركه إلا لركوب سيارته المخصصة لمثل حالته، وهو حريص أن يظهر فى شكل مهندم كأحد رموز قبيلته "أولاد سعيد"، رغم ما يحمله من إرث المعاناة فى مواجهة ظروف الحياة من أجل أن ينجح ويثبت أن الإعاقة لم ولن تهزمه.
قال "حسين حسان درويش"، إن عمره الآن 58 عاما، وتعرض وهو صغير لحادث سير كان وراء إصابته بشلل نصفى كامل، واستطاع أن يسلك طريقه فى التعليم حتى الصف الثالث الإعدادى، لكنه لم يستكمل تعليمه حيث كانت الضرورة أن يبحث عن رزق لأسرته الصغيرة التى أصبح مسئولا عنها، لأن والده توفى وهو صغير.
وأشار إلى أن والده استشهد بنيران جنود الإحتلال الاسرائيلى أثناء احتلالهم سيناء، وتم إطلاق النار عليه أثناء تنفيذه مهمة نضالية مع الأبطال ابناء سيناء الذين كان دورهم مقاومة الإحتلال الإسرائيلي، وكان هذا من المشاهد المؤلمة فى حياته.
وتابع حديثه قائلا، إنه منذ سن الخامسة عشر من عمره دخل معترك البحث عن قوت يومه، وكانت البداية بالعمل مرشدا سياحيا، حيث ساعده عمه بشراء جمل له، وعلى ظهره كان ينقل السائحين فى رحلات سفارى لعمق المناطق الصحراوية والجبلية، وهى البداية التى مكنته من الاطلاع أكثر على سوق العمل ومخالطة الجنسيات من كل العالم وكل المحافظات، واكتساب ثقافة ولغات متعددة.
وقال إنه خلال تلك الرحلات كان يتنقل بالسائحين فرادى وفى مجموعات ليشاهدوا معالم سيناء وتقاليد البدو وحياتهم اليومية فى عمق الصحراء، ومهمته دليلا لهم ومرشدا، يوضح لهم تفاصيل الأماكن والعادات والتقاليد.
أضاف أنه استطاع تكوين رأس مال بدأ به حياته وتزوج، واشترى سيارة بسيطة بإمكانيات تناسب إعاقته، ثم أدرك أن هذا العمل بالنسبة له مرهق، وتوجه للعمل فى محل، وكانت البداية بتشجيع من محافظ جنوب سيناء الذى خصص له محل بمنطقة مارينا فى مدينة شرم الشيخ، لبيع منتجات جنوب سيناء من الأعشاب العطرية والطبية المتنوعة التى يقبل عليها السائحون العرب والأجانب وزارة جنوب سيناء من المصريين.
وقال إن المشروع نجح واستطاع أن يفتح باب رزق لشخصين آخرين للعمل معه فى المحل ويكون فاتحة خير عليهم، لكن كانت المفاجأة غير السارة بالنسبة له هى تأثر حركة البيع بتراجع السياحة خلال السنوات الأخيرة نتيجة أوضاع كورونا، وأصبح لا يفى بمتطلباته وبالكاد لسد نفقاته.
وأضاف، أنه وبسبب زيادة الإيجارات السنوية للمحل بنسبة 10% قفزت الإيجارات حتى فوجئ بتراكمات عليه 120 ألف جنيه، واستجاب محافظ جنوب سيناء له بتخفيضها للنصف، ومع الوقت لم يستطع التحمل فتوقف النشاط، وما يسعى له الآن ويطلبه من محافظ جنوب سيناء، أن يتم تقنين وضع المحل الذى يعمل فيه حتى يعيد إدارته بشكل ناجح.
وقال العم حسين، إنه لم ييأس من هذه التغيرات، وواجهها بفكر آخر وهو الاتجاه للزراعة حيث اقترض من البنك مبلغ مالى وقام بشراء 3 فدادين بأرض طور سيناء بمبلغ 60 ألف جنيه، ويقوم بزراعتها، وتربية أغنام فيها، واستطاع سداد القرض، وأصبح يجنى ثمر مشروعه.
وأكد العم حسين، انه يعيش حياته بهدوء مع أسرته حيث لم ينجب ابناء، ولكن يعتبر ابناء شقيقه هم عزوته، حيث لا يتأخروا عنه فى أى خدمة سريعة يريدها، كما انه دائما يبحث عن التحدى لينجح فى كل الظروف ولا يتوقف عند نقطة فشل ولا يعترف بها.
وقال إنه يعتبر أن نجاح الإعاقة هو فى نسيانها، حيث هى أمر واقع وهى قدر من أقدار الله ومنحه للإنسان، ومطلوب الصبر مع العمل، لافتا إلى انه لن يكل ولن يمل من طرق كل أبواب النجاح والبحث عن الرزق الحلال طالما فيه نفس.
وأكد أنه رغم ظروفه الجسدية وتقلبات مساعيه فى البحث عن الرزق الحلال، إلا انه يقوم بدوره المجتمعى على أكمل وجه بين أفراد عائلته وقبيلته، ويحرص أن يكون فاعلا بينهم وصاحب رأى مشوره يعتد بها، ومشاركا فى كل المناسبات الإجتماعية من أفراح وأحزان لا يغيب عنها.
وأكد أن أسعد لحظات يعيشها وهو فى مزرعته يجنى ثمرها وزرعها ويسوقه للبيع فى مدينة طور سيناء أو خارجها، ودائما كل طموحه وهدفه أن يعيش حياته فى ستر ولا يحتاج لأحد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة