على مدى الأسابيع الماضية تفاعلت الكثير من القوى السياسية والأهلية مع دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للحوار والتى لاقت اهتماما من كل الأطراف الجادة، التى تبحث عن دور أكبر للتيارات السياسية، ورأت أن الحوار يؤكد حالة من الحيوية الواضحة فى الإرسال والاستقبال بين الدولة والمجتمع، وتكشف عن إدراك الرئيس والدولة لمطالب كل مرحلة من مراحل التحرك للمستقبل، حيث أصبحت الدولة فى موقف يسمح بالمزيد من إدارة التنوع سياسيا ومجتمعيا، بعد هزيمة الإرهاب، والوصول إلى استقرار أمنى واقتصادى لدرجة كبيرة، يمكن أن يكون هناك مجال لرسم تصور للعمل العام بأنواعه، الحزبى والسياسى عموما، ومعه العمل المدنى.
تضمنت دعوة الرئيس للحوار تكليف إدارة «المؤتمر الوطنى للشباب» بالتنسيق مع مختلف التيارات السياسية الحزبية والشبابية، لإدارة حوار سياسى، حول أولويات العمل الوطنى خلال المرحلة الراهنة، بمشاركة كل التيارات دون تمييز أو استبعاد، وجاء اختيار الأكاديمية الوطنية لما تحمله من خبرة فى التنظيم، وأيضا بوصفها طرفا محايدا يمكنه التعامل مع كل التيارات وإتاحة الفرصة وجمع المشاركات والاقتراحات وتنظيمها فى أوراق عمل تكون قابلة للمناقشة.
من جانبها قدمت الدولة خطوات بإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسى وخروج أعداد متتالية منهم إلى منازلهم ولا تزال اللجنة تعلن عن قوائم متعددة تتضمن أغلب الأسماء التى وردت وبينهم أسماء معتبرة، أو أسماء لم ترد فى قوائم المطالبة، ومنهم أسماء صدرت عليهم أحكام بالفعل. وبالتالى فقد قطعت الدولة خطوات نحو الحوار.
وعلى مدى أسابيع تحدث سياسيون ونواب ونشطاء فى القنوات، أو كتبوا على صفحاتهم، آراء أو مطالب وتصورات حول رؤيتهم للحوار أو ما يرون أنها القضايا الأولى بالمناقشة، وكانت هذه فرصة لتبادل الآراء ، ومع ما تلقته جهات التنظيم، فقد تبلورت رؤى مختلفة يمكن أن تمثل أرضية للحوار، حيث اختلفت التفاصيل فى بداية التفاعل، ومن حيث كانت تبدو القضايا متنوعة وكثيرة، طبيعى أن تتبلور فى محاور أو قضايا محددة، تصب فى محور سياسى ومحور اقتصادى ومحور اجتماعى، مع وجود قضايا تفرض نفسها وتمثل أولويات للخبراء والمختصين وليس فقط للسياسيين.
ومن ميزات الحوار، أنه سوف يجعل التيارات والخبراء قادرين على قراءة الملفات والتعامل مع الأرقام والقضايا الاقتصادية والاجتماعية، بناء على دراسة، وليس فقط من خلال طرح آراء فردية، قد لا يتوقع صاحبها أن يظهر من يرد عليه، وإذا كانت الدولة تطرح فرصة النقاش حول المستقبل وتوسيع المجال العام، فإن هذا يفتح آفاق التفاهم، ويرتب مسؤولية على أطراف الحوار، يدفعها للاستعداد بشكل يجعلها قادرة على الإقناع، وليس فقط طرح هذه القضايا.
والواقع أن أهم نقطة يقدمها الحوار هو فتح المجال للنقاش بين التيارات السياسية وبعضها، وليس فقط بين حكومة ومعارضة، حيث يحمل كل تيار تصوراته السياسية والاقتصادية ورؤيته للأولويات بشكل يتناسب مع أسسه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ونقصد يسارا ويمينا، وإن كان الواقع الاقتصادى العالمى اليوم أسقط الكثير من الحواجز التى تفصل بين الأيديولوجيات المختلفة.
ثم إن التحولات التى شهدها العالم على مدى العقود الأخيرة من ثورات التكنولوجيا والاتصال والمنصات التواصل الاجتماعى، تغير من شكل السلطة وممارستها فى العالم كله، ويفترض أن تضع الأحزاب والتيارات المختلفة هذا كله فى الاعتبار، خاصة أن أساليب القيمة والربح والرأسمالية، ترتبط بالقواعد التقليدية للاقتصاد التى بدأت مع الثورة الصناعية، لكنها تغيرت فى ظل موجة ثالثة أعادت صياغة القواعد ولا تزال، وهى تفاصيل انعكست فى شكل وأداء الأحزاب والتيارات السياسية، فى أوروبا والولايات المتحدة، من حيث طريقة إدارة الخلافات أو التعامل مع القضايا الكبرى.
كل هذا يرتب على من يشاركون فى الحوار أن يعرفوا ما جرى على العالم وشكل الممارسات السياسية، وتأثيرات عصر المعلومات على كل شىء، ترتب طرقا جديدة للتعامل مع قضايا السياسة والاقتصاد.