تشهد العلاقات المصرية السعودية تنسيقًا متناميًا على الصعيد السياسي انطلاقًا من التزام البلدين الشقيقين بدورهما التاريخي والمحوري في الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، وذلك عبر المشاورات التى تجرى خلال اللقاءات والاتصالات المتبادلة بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان ولى العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والرئيس عبد الفتاح السيسي، فضلا عن لجنة المتابعة والتشاور السياسى التى تؤطر للاجتماعات الدورية بين وزارتى الخارجية والمسؤولين فى كل البلدين، وتجتمع كل ستة أشهر بالتناوب بين الرياض والقاهرة، وتبحث فى مُجمل قضايا المنطقة والعالم ومستجداتها، إضافة إلى اللقاءات الثنائية التى يعقدها وزيرا الخارجية أينما تواجدا فى أى مؤتمر دولي.
وفى تقرير أصدرته السفارة السعودية بالقاهرة، الإثنين بالتزامن مع زيارة ولى العهد للقاهرة، أشارت إلى أنه على مدى العقود الماضية ساهم التشاور المستمر بين البلدين فى تناغم المواقف حيال مختلف القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، يدعم ذلك المبادئ المشتركة لسياسة البلدين الخارجية القائمة على احترام سيادة واستقلال الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، واحترام المبادئ والقوانين الدولية، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية والأمن والسلم الدوليين.
زيارة الرئيس السيسى نقطة انطلاق
وقد مثلت الزيارة الهامة والتاريخية التي قام بها فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي للمملكة العربية السعودية في الثامن من شهر مارس الماضي، نقطة انطلاق جديدة في مسار التنسيق الاستراتيجي بين البلدين، حيث تمخض عن اللقاء صدور إعلانًا مشتركًا يعبر عن موقف البلدين من مجمل القضايا الإقليمية والدولية الراهنة، ويشدد على عزم البلدين الشقيقين تعزيز التعاون تجاه جميع القضايا السياسية، والسعي لبلورة مواقف مشتركة تحفظ للبلدين الشقيقين والمنطقة أمنها واستقرارها وذلك على النحو التالي:
الملف الليبي
وفي الشأن الليبي، أبدت كل من المملكة ومصر حرصهما على ضرورة الحفاظ على استقرار ليبيا ووحدة وسلامة أراضيها، وأكدا على دعم كافة الجهود الرامية للتوصل إلى حل سياسي (ليبي ليبي)، وأن تتفق جميع الأطراف الليبية مع بعضها البعض على الانطلاق نحو المستقبل بما يحقق مصلحة ليبيا وشعبها دون أي إملاءات أو تدخلات خارجية، فضلا عن أهمية دعم دور مؤسسات الدولة الليبية واضطلاعها بمسؤولياتها، كما يؤكدا دائمًا على ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب في مدى زمني محدد تنفيذاً لقرار مجلس الأمن رقم 2570 والمخرجات الصادرة عن قمة باريس ومؤتمر برلين 2 وآلية دول جوار ليبيا وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، وضرورة استمرار لجنة 5+5 العسكرية المشتركة في عملها والتزام كافة الأطراف بوقف الأعمال العسكرية حفاظاً على أمن واستقرار ليبيا ومقدرات شعبها.
أزمة سد النهضة الإثيوبي
وعلى صعيد ملف الأمن المائي المصري فقد أكدت المملكة العربية السعودية في أكثر من مناسبة على دعمها الكامل للأمن المائي المصري باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الأمن المائي العربي، كما حثت إثيوبيا على التخلي عن سياستها الأحادية اتصالاً بالأنهار الدولية، والالتزام بتعهداتها بمقتضى القانون الدولي بما في ذلك اتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015، بما من شأنه عدم اتخاذ أية إجراءات أحادية فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وضرورة التعاون بحسن نية مع مصر والسودان للتوصل بلا إبطاء لاتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل، اتساقاً مع البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر 2021.
أمن المملكة العربية السعودية
أعربت مصر عن تضامنها الكامل مع المملكة العربية السعودية في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها القومي، كما أكدت رفضها أي اعتداءات على أراضي المملكة العربية السعودية، مؤكدة على أن أمن المملكة ومنطقة الخليج العربي يعد جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
القضية الفلسطينية
فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية أكد البيان على مواصلة دعم البلدين لتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط، وأهمية التوصل إلى تسوية شاملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي وفقاً لحل الدولتين، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية، بما يكفل حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
التطورات السياسية والإنسانية باليمن
وفيما يتعلق بالشأن اليمني تتبنى كل من المملكة ومصر موقفًا مستندًا على رفض استمرار الميليشيات الحوثية الإرهابية في تهديد الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وعدم إمكانية التغاضي عن امتلاك هذه الميليشيات الحوثية الإرهابية لقدرات عسكرية نوعية كونه تهديداً مباشراً لأمن المملكة العربية السعودية ودول المنطقة، كما تتوافق وجهتي نظر البلدين حول ضرورة مواصلة جهودهما لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة اليمنية، يقوم على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216)، فضلا عن مبادرة المملكة العربية السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الشقيق.
الأوضاع في دولة العراق
وفي الشأن العراقي، تعمل الرياض والقاهرة بكل دأب على كل ما من شأنه حفظ أمن واستقرار العراق وتنميته، والقضاء على الإرهاب ووقف التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية.
الموقف من الملف السوداني
وفيما يتعلق بالشأن السوداني، أكدت المملكة ومصر على استمرار دعمهما لإنجاح المرحلة الانتقالية، بما يسهم في الحفاظ على المكتسبات السياسية والاقتصادية، وأهمية استمرار الحوار بين الأطراف السودانية، في ظل مجهودات بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية وتسهيل الحوار وتشجيع قيم التوافق وتعزيز لغة الحوار وإحياء العملية السياسية، وحماية وحدة الصف بين جميع مكونات السودان الشقيق، وكل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في السودان.
الشأن اللبناني
وفي الشأن اللبناني، تتفق الدولتان في حرصهما التام على أمن واستقرار ووحدة الأراضي اللبنانية، وعلى أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى الحفاظ على عروبة لبنان وأمنه واستقراره، ودعم دور مؤسسات الدولة اللبنانية، وإجراء الإصلاحات اللازمة، بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته، وألا يكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية، وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، وألا يكون مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات.
الأزمة السورية
أما في الشأن السوري، فقد شدد الجانبان على أهمية الوصول إلى حل سياسي للأزمة في سوريا يحقق تطلعات الشعب السوري ويحافظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وضرورة الحد من التدخلات الإقليمية في الشأن السوري التي تهدد أمن واستقرار سوريا ووحدة أراضيها وتماسك نسيجها الاجتماعي، وضرورة دعم جهود المبعوث الأممي الخاص بسوريا.
التدخلات الإقليمية في الشأن العربي
وانطلاقًا من ايمان البلدين بأن الأمن القومي العربي لا يتجزأ، فقد تبنت الرياض والقاهرة موقفًا رافضًا لأي محاولات لأطراف إقليمية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، أو تهديد استقرارها وتقويض مصالح شعوبها، سواء كان ذلك عبر أدوات التحريض العرقي والمذهبي، أو أدوات الإرهاب والجماعات الإرهابية، أو عبر تصورات توسعية لا تحترم سيادة الدول ومبادئ احترام حسن الجوار، واتفقا على مواصلة محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة بكافة أشكالها، ورفضهما محاولات المساس بأمن وسلامة الملاحة في الخليج العربي ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وأكدا على أهمية ضمان حرية الملاحة بتلك الممرات البحرية المحورية، وضرورة التصدي لأي تهديدات لها باعتبارها تشكل تهديداً للأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.