في حياة كل مطرب أو موسيقى أغنية أو لحن كان سببا فى شهرته وبداية لأول خطواته على طريق المجد، وتبقى هذه الأغنية أو اللحن فى ذاكرة الفنان لا ينساها أبدًا ويظل يتذكر كل تفاصيلها وكواليسها حتى وفاته، مهما بلغت شهرته وكثرت أعماله وروائعه، حيث يبقى هذا العمل الأقرب والأكثر أثرًا فى حياة النجم، وأول طريق غرامه بالفن وتكون هذه الأغنية "الأولة فى الغرام".
مانجا عبد الوهاب
بدأت أول خطوة فى مشوار موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عام 1916، عندما وقف لأول مرة على خشبة المسرح ضمن فرقة فوزى الجزايرلى، والتى كانت تعمل بمسرح الكلوب الحسينى، فى حى الحسين، وغنى عبد الوهاب أغنية تقليدية اعتاد مطربو الفرق أن يغنوها للترحيب بالجمهور، وكان مطلعها يقول: "مرحبا بالسادة النجب"، وتقاضى موسيقار الأجيال 3 ميلمات نظير غناء هذه الأغنية.
وأعجب "الجزايرلى" بصوت عبدالوهاب بشكل كبير، وطلب من مكتشفه، محمد يوسف شمعون، إعداد أغنية جديدة خصيصا ليغنيها هذا المطرب الجديد، وبالفعل استعان شمعون بالمؤلف محمد يونس القاضى، ليكتب كلمات هذه الأغنية، ولحنها شمعون بنفسه، وغناها عبد الوهاب بين فصول الرواية التى تعرضها فرقة الجزايرلى.
وكانت كلمات الأغنية تقول: "أنا عندى مانجا وصوتى كمانجة"، وكان عبد الوهاب، وقتها طفلاً لا يتجاوز عمره 12 عامًا، ونال إعجاب الجمهور الذى صفق له تصفيقًا حارًا، وبسبب هذه الأغنية ارتفع أجر موسيقار الأجيال من 3 مليمات إلى 5 قروش كاملة، ولكن كان شمعون يحصل على أغلب هذا المبلغ.
وبعد هذه الأغنية ذاعت شهرة الطفل عبد الوهاب، وزاد الطلب عليه وبدأ مشوار نجاحه.
كئوس كوكب الشرق
أما كوكب الشرق، فكانت أولى الأغانى التى حققت لها بداية الشهرة أغنية "سلوا كئوس الطلا هل لامست فاها"، وهى قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقى وغنتها فى سرادق كبير بالقاهرة، فسمعها الحاج صديق أحمد، أكبر متعهد حفلات فى مصر وقتها.
وبسبب هذه الأغنية عرفت الصحف والمجلات لأول مرة اسم مطربة اسمها أم كلثوم، حيث لم تكن وقتها كوكب الشرق قد وصلت لدرجة الإدلاء بتصريحات صحفية، أو تمتعت بالشهرة العالمية التى حازتها بعد ذلك، ولكن جاء اسمها خلال حوار للحاج صديق أحمد عام 1921، مع جريدة كوكب الشرق، قال فيه إنه سمع صوت "بنت" جاءت من الفلاحين لتغنى فى القاهرة واسمها أم كلثوم، وأنه يتوقع لها مستقبلاً باهرًا فى عالم الغناء، وكان لرأى المعلم صديق قيمة كبيرة عند المتعهدين، فأقبلوا على الاستعانة بالمطربة الفلاحة الناشئة، فى العديد من الحفلات، واحتفظت أم كلثوم طوال حياتها بهذا العدد النادر من الجريدة.
أم كلثوم
وبعدها تعاقد معها الحاج صديق، وقدمها فى مسرح سانتى الذى كان يقع فى ركن من حديقة الأزبكية، وحصلت كوكب الشرق فى هذه الحفلة على 5 جنيهات كاملة، وهو أجر كبير جدًا وقتها، لم تكن أم كلثوم قد اعتادت أن تحصل على مثله، ومن بعد ذلك تهافت متعهدو الحفلات عليها، وتضاعف هذا الأجر، وانطلقت كوكب الشرق فى عالم الطرب والشهرة بسرعة الصاروخ.
طير فريد وسفر ليلى وورد العندليب
وكانت أول أغنية وضعت فريد الأطرش على طريق الشهرة، هى أغنية "ياريتنى طير وأطير وياك"، التى لحنها وغناها فى بداياته بإحدى المحطات الأهلية، وعندما سمعها مدحت عاصم، أعجب بها وبصوت فريد بشكل كبير، وعندما افتتحت الإذاعة المصرية وتولى عاصم منصب مدير الإذاعة، كان فريد الأطرش من أوائل المطربين والملحنين الذين تعاقدت معهم، الإذاعة وبدأ مشوار شهرته ونجوميته.
فريد الأطرش
أما القيثارة ليلى مراد فغنت لأول مرة عام 1930 على مسرح رمسيس بشارع عماد الدين، وحينها غنت بعض أغانى والدها الموسيقار زكى مراد، الذى كان مطربا مشهورًا وقتها، وفى عام 1932 غنت ليلى مراد أول أغنية خاصة، بها ضمن فيلم "الضحايا" الذى أنتجته بهيجة حافظ، وهى أغنية "يوم السفر"، ولحنها محمد القصبجى، وحصلت ليلى مراد، وقتها على أول أجر لها وهو مبلغ 50 جنيهًا، وكانت ليلى تغنيها بعد ذلك فى الحفلات، فحققت شهرة كبيرة، وبعد افتتاح الإذاعة كانت تغنيها كل أسبوعين فى الإذاعة.
ليلى مراد
أما العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، فغنى أولى أغانيه الإذاعية عن الورد مع سعاد مكاوى، وذلك عندما قدمه صديقه كمال الطويل إلى الإذاعى الكبير حافظ إبراهيم، وحققت الأغنية نجاحًا كبيرًا، وأصبحت الإذاعة تذيعها كل صباح، إلا أن الأغنية التى حققت شهرة العندليب كانت أغنية "صافينى مرة" التى لحنها الموجى، وغناها حليم لأول مرة فى المسرح القومى بالإسكندرية، والغريب أن هذه الأغنية كان سيغنيها عبد الغنى السيد، إلا أنه رشح حليم لغنائها.
عبد الحليم حافظ
شادية وحكمت فهمى
وقد لا يعرف الكثيرون أن بداية مشوار محبوبة الجماهير شادية، ارتبط باسم حكمت فهمى الراقصة التى كانت على علاقة بالمخابرات الألمانية، وجندتها للتجسس على الضباط الإنجليز فى مصر خلال فترة الحرب العالمية الثانية، والتى جسدت شخصيتها الفنانة نادية الجندى فى فيلم حمل الاسم ذاته.
ففى منتصف الأربعينيات شرع المخرج محمد عبدالجواد فى إخراج فيلم "المتشردة" الذى أنتجته حكمت فهمى، ووقتها لم تكن شادية قد بدأت مشوارها الفنى بعد، وكانت قد سبقتها أختها عفاف شاكر فى طريق الفن، وعلم عبدالجواد أن عفاف لها أخت تتمتع بصوت جميل، فاستمع إلى شادية وأعجب بصوتها، وكان سيستعين بها فى دور بالفيلم لتمثل وتغنى.
وفى حوار نادر للفنانة الكبيرة شادية، أشارت إلى أنها فى أول مشوارها الفنى عام 1947 وقبل أن تشارك فى فيلم "العقل فى إجازة" كانت مرشحة لدور فى فيلم "المتشردة" الذى أنتجته حكمت فهمى، لكنها رفضت طلبها بارتداء المايوه خلال بعض المشاهد، وبعد تهديدات من حكمت فهمى باتخاذ إجراءات قانونية، حيث طالبت شادية بدفع غرامة قدرها 50 ألف جنيه، تدخل حلمى رفلة وتم حل الموضوع.
وكانت شادية قد شاركت بالغناء فقط فى هذا الفيلم، حيث غنت خلاله عن طريق الدوبلاج فى أحد المشاهد أغنية لحنها لها عبدالعزيز محمود، وحصلت على أجر قدره 50 جنيهًا، وكانت هذه الأغنية بداية لمشوار شادية الفنى، حيث سمعها وأعجب بصوتها المنتج والمخرج حلمى رفلة، فاستعان بها لبطولة فيلم "العقل فى إجازة" أمام محمد فوزى، لتنطلق بعدها شادية فى مسيرتها الفنية الكبيرة.
وردة وهدى سلطان ونجاة
كانت كوكب الشرق أم كلثوم - وما زالت - ملهمة وقدوة لكل مطربة تبدأ طريقها الفنى، وكثير من المطربات قمن بتقليدها فى بدايتهن، حتى مطربات الزمن الجميل من كبار النجمات اللاتى كانت كوكب الشرق مفتاح شهرتهن وبداية تعلقهم بالفن والطرب.
وردة
ومن هؤلاء النجمات الفنانة الكبيرة هدى سلطان، التى أسست شهرتها على تقليد أم كلثوم فى أغانيها مع الفرق المتجولة فى القرى والمناطق الريفية بطنطا، وفى إحدى الحفلات طلب منها عمدة القرية أن تغنى أغنية "غلبت أصالح فى روحى"، وغنتها هدى سلطان بإتقان كبير، وهو ما أثار إعجاب الجمهور، وصفقوا لها تصفيقا حارا، وهنا اقترح عليها العمدة أن تتنقل إلى القاهرة حتى تجد من يرعى موهبتها.
هدى سلطان
وبالفعل انتقلت هدى إلى القاهرة، وظلت لفترة تغنى أغانى أم كلثوم وتقلدها فى الحفلات، وتم اعتمادها فى الإذاعة المصرية، وكانت بداية انطلاقتها الفنية حين أراد المخرج نيازى مصطفى الاستعانة بمطربة جديدة فى فيلم "ست الحسن" عام 1950 فاختارها، ليبدأ مشوار نجوميتها.
أما الفنانة الكبيرة وردة الجزائرية، فعلى الرغم من أنها قضت جزءا كبير من طفولتها وصباها فى باريس، إلا أن قصة اكتشافها وبداية مشوارها الفنى ارتبطت بكوكب الشرق أم كلثوم، حيث كانت الطفلة - جزائرية الأصل - تهوى الغناء منذ نعومة أظفارها وتغنى أحيانا فى مطعم يمتلكه والدها بالعاصمة الفرنسية، وكان من أهم الذين اكتشفوا صوتها وقدموا موهبتها أحمد التيجانى، الذى كان يعمل فى باريس فى شركة ماركونى للأسطوانات، وكان يعمل فى القسم العربى بإذاعة باريس، ويعمل فى برنامج لتقديم مواهب الأطفال.
وذات يوم، قدم له الموسيقى التونسى زكى طريف، طفلة صغيرة دون سن العاشرة، تتمتع بمواهب غنائية كبيرة، سمعها تغنى أغانى أم كلثوم فى مطعم والدها فى باريس، فذهب التيجانى لسماعها، وذهب للمطعم وتعرف على والدها، وكانت المشكلة الأولى التى واجهت الطفلة وردة، ومكتشفيها، أنها لم تكن تعرف القراءة والكتابة باللغة العربية، وكانت تتقن الفرنسية، فاضطروا لكتابة الأغانى العربية لها بالحروف اللاتينية، وأدركت وردة بذكائها الحاد ضرورة أن تتقن اللغة العربية، وعكفت مع شقيقها حميدو على دراستها، وبالفعل أتقنتها خلال 10 شهور.
وقبل أن تكمل وردة سن 11 عامًا أتقنت غناء رائعة أم كلثوم "يا ظالمنى" وسجلتها بصوتها على أسطوانة لحساب شركة ماركونى، واعتقد الكثيرون ممن استمعوا لها أن الأسطوانة بصوت أم كلثوم.
كما احترفت الفنانة نجاة الصغيرة، الغناء وهى فى سن صغيرة، وكان والدها يدربها على أغانى كوكب الشرق أم كلثوم، وكانت تقوم بإحياء الأفراح والحفلات وهى تقلد كوكب الشرق، واشتهرت فى طفولتها بأنها الطفلة التى تقلد أم كلثوم، وتتقن غناء أغانيها، قبل أن يصبح لها لون وأغان خاصة بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة