من يتحدث عن ارتفاع نسبة الجريمة فى المجتمع المصرى، وفى العالم عموما، وبشاعتها وقسوتها فهو واهم ولا يعرف التاريخ جيدا، ولعلنا نعلم جميعا أن أول جريمة فى التاريخ والتى يمكن وصفها بالجريمة الأبشع على مدار عمر البشر، هى جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل طمعا فى امرأته.
جريمة يتوافر فيها كل أنواع البشاعة «أخ يقتل أخاه طمعا فى سيدة»، حدثت منذ آلاف السنوات، ومن بعدها جريمة أخوة سيدنا يوسف الذين اجتمعوا على قتله بعد أن تملكتهم الغيرة وامتلأت قلوبهم حقدا، فرموه فى بئر بالصحراء، ثم من بعدهما ملايين الحوادث على مدار عمر البشر والتى لن تتوافر المساحة لذكرها، لكن الفرق الوحيد هنا هو التناول و«الأڤورة» التى توحشت مع السوشيال ميديا، فأنا أتصور لو كانت هناك سوشيال ميديا وقت هذه الجرائم لرأينا مئات التبريرات ومئات من وكلاء النيابة، ومثلهم من المحامين ومثلهم من المحللين، والآراء المختلفة التى ربما تبرئ قابيل وتتهم امرأة هابيل أنها هى من أغوته، وربما كانت واجهت اتهاما بالتخطيط للجريمة مع قابيل.
لو كانت هناك سوشيال ميديا فى عصر ريا وسكينة لوجدنا من يدافع عنهما بحجة أن الضحايا كانوا مستفزين وماشين فى الشوارع «يشخللوا بالدهب»، لو كانت هناك سوشيال ميديا منذ القدم «والحمد لله أنها لم تكن» لأصبحنا اليوم جميعًا فى غابة لا قانون فيها، الكل فيها متهم والكب فيها برىء والكل فيها خبير ومحلل وقاض.
القضايا والخلافات والنزاعات والجرائم مكانها ساحات المحاكم لا الفضاء الإلكترونى، الاتهامات تكون فى محاضر رسمية فى أقسام الشرطة، ويتم التحقيق فيها قبل الحكم، ودليل الجريمة يقدم فى النيابة لا يرفع على السوشيال ميديا، والحكم يكون بناء على تحقيقات تتم بواسطة المختصين على أرض الواقع، وبعد الاستماع لكل الأطراف والشهود والاطلاع على كل البيانات والمعلومات والأوراق والحكم ينطق به القاضى لا سكان العالم الافتراضى، فلنتمهل قليلًا فى التعامل من خلف الكيبورد ولنترك الأمور للمختصين.