كانت الساعة الرابعة والنصف نهار 26 يونيو، مثل هذا اليوم، 1879 حين فض الأمير توفيق ابن الخديو إسماعيل رسالة الباب العالى «السلطان العثمانى» إليه، وفقا لسليم النقاش فى الجزء الرابع من كتابه «مصر للمصريين».
يذكر «إلياس الأيوبى» فى كتابه «تاريخ مصر فى عهد إسماعيل» نص الرسالة وكان: «إن جلالة مولانا السلطان قد أصدر إرادته الهمايونية بتعيينك خديو مصر، وسوف يرسل لك الفرمان الشاهانى بالكيفية الرسمية المعتادة، وقد كلف إسماعيل باشا بتلغراف آخر بالانسحاب من شؤون الحكومة، فيلزمك بناء على ذلك حالما تصل هذه البرقية إليك، أن تستدعى جميع العلماء والموظفين ووجهاء البلاد وأعيانها ومستخدمى الحكومة، وتبلغهم مضمون الإرادة الشاهانية الخاصة بتعيينك، وتباشر شئون الحكم حالا، فإن هذا التعيين السامى العادل مكافأة لكفاءتك، وسيكون ارتقاؤك السدة الخديوية بدء عهد نظام ورقى يسود على القطر الملقاة زمام شؤونه إلى حكمتك».
فى نفس الوقت تلقى الخديو إسماعيل رسالة تحتوى على فرمان خلعه، نزولا على قرار الدول الكبرى فى مقدمتهم فرنسا وإنجلترا، ويشرح «الأيوبى» قصة اللحظات الأخيرة فى هذا المشهد، مشيرا إلى أن شريف باشا كبير النظار ذهب إلى «توفيق» فى قصره لإبلاغه بخبر خلع والده وتوليه هو، لكنه وجد أن رسالة «الباب العالى» وصلت، وكان توفيق يهم بركوب عربة متجها إلى قصر عابدين فركب معه، وفى الطريق سلمه توفيق البرقية التى وصلته من الباب العالى، فقرأها شريف ثم قال لتوفيق: «المناداة بك خديويا على مصر المنصوص عنها فى تلك الإشارة التلغرافية يجب أن يتم بعد ظهر اليوم فى القلعة».. يضيف الأيوبى: «صعد توفيق إلى حيث كان أبوه فى انتظاره، وحالما دخل الغرفة التى كان إسماعيل جالسا فيها بصحبة أفكاره وشجونه، ووقعت عين والده عليه، فنهض إسماعيل وتقدم للقياه، وأخذ يده ولثمها قائلا: «إنى أسلم على أفندينا»، ثم قبله على وجنتيه، وتمنى له أن يكون أوفر حظا وأكبر سعادة من أبيه، وبعد ذلك انحنى أمامه ودخل دائرة حريمه، تاركا لابنه المتأثر تأثرا عميقا منصبه وقاعة عرشه».
وفيما كان «إسماعيل» يعيش مع أحزانه، صدرت الأوامر بإعداد مايلزم للاحتفال بالخديوى الجديد، ويصفه «النقاش» تفصيليا قائلا: «لما كانت الساعة العاشرة أخذ الناس يتواردون أفواجا مخترقين بعرباتهم صفوف العساكر المصطفة على الجانبين ثم ارتفعت أصوات البشائر بظهور الخديو الجديد، فأطلقت المدافع مائة مرة ومرة، وصدحت الموسيقى ونادى الجند ومن حف بهم من الناس «أفنديمز جوق بشا»، وسارت به العربة يتقدمها رؤساء الجند والمحافظين بالألبسة الرسمية، وكان على يساره شقيقه حسين باشا وأمامه شقيقه حسن باشا ثم شريف باشا، ثم دخل قاعة التسليم وجلس يستقبل المهنئين والأعيان، دخل العلماء يتقدمهم السيد البكرى نقيب الأشراف، ثم القاضى ثم شيخ الجامع الأزهر، وبعد ذلك دخل قناصل الدول بالألبسة الرسمية وانبرى أكبرهم سنا فخاطبه بقوله:
«سيدى أرانى سعيدا بتقديمى لسموكم تهانى الهيئة السياسة والقنصلية بارتقائكم إلى عرش خديوية مصر، فإن عواطف سموكم التى عرفت أيام ولاية العهد، واكتسبتم حضرتكم بها ميل الناس جميعا، تضمن لنا أنكم ستوفقون إلى تحقيق سعادة الأمة المتعلقة بكم، فإن سعيتم إلى هذه الغاية الشريفة فأنتم على يقين من ميل حكوماتنا ومساعدتها لسموكم، وأجاب الخديو:» ياحضرات القناصل: إن جلالة السلطان المعظم تعطف بدعوتى إلى تبوئى مكان والدى المعظم الذى تكرم بالتنازل عن الملك لى فقبلت ذلك مجرأ عليه بما رأيت من ميل الأمة، وانعطاف حضراتكم عازما عن صرف الهمة، وبذل الجهد فى القيام بواجباتى ومأمولى أنى بمؤازرة الأمة ومساعدة حضراتكم أدرك غاية القصد والله اسأل أن يوفقنى إلى مافيه سعادة الأمة وعمائر الوطن».
بعد دخول القناصل، بدأ دخول الذوات وأمراء العسكر والملكية، ثم أعضاء المجالس الحقانية فالنواب ووجهاء البلاد، ثم أرباب الجرائد فالموظفين وغيرهم، أما الوضع عند الخديو إسماعيل، فيذكر «الأيوبى»، أنه اختار من نساء حريمه أقربهن إلى قلبه، وجمع من الكل حيلهن ومصاغهن، وكان ثمنها شيئا كثيرا، واستدعى عدة من صائغى الأقباط وأقامهم فى قصر عابدين يشتغلون ليلا ونهارا فى نزع الحجارة والفصوص الكريمة ليسهل نقلها والتصرف فيها، وجرد السراى من كل رياشها الثمينة التى كانت ملكه الشخصى، ومن آنيتها الذهب الخالص والمرصعة، وقدر ثمنها بثمانمائة ألف جنيه، ومن كل طنافسها القديمة وأثاثها الفاخرة ولوحاتها ونجفاتها الفضية، ولم يبق لخلفه من 24 طاقم سفرة الفخمة سوى طاقمين وكانا أقلها قيمة، وأرسل جميع ذلك ما عدا نسائه الى الإسكندرية فى صناديق مقفلة، ذهب بها حالا إلى يخته «المحروسة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة