أدرج الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، اسم الكامل محمد فى مشروع "حكاية شارع"، وذلك لتعريف المارة بقصة الشارع، حيث وضع لافتة تحمل اسمه وكل التفاصيل عنه.
هو الكامل ناصر الدين محمد بن العادل سيف الدين أحمد، لقب بـ"أبي المعالي"، رابع السلاطين الأيوبيين الذين حكموا مصر، والذى ولد في عام 576هـ/1180م، ونشأ وتربى في كنف والده السلطان العادل، وتعلم تعليمًا كبيرًا؛ فسمع الحديث النبوي ورواه، كما تلقى العلوم الأدبية، فأصبح عارفًا بالأدب والشعر وغيره.
وعندما نجح العادل في توحيد الدولة الأيوبية من جديد، قام بإعادة تنظيم الدولة، والاستعانة بأبنائه في إدارتها، فأناب ابنه الكامل محمد في حكم مصر، وجعل ابنه المعظم عيسى في دمشق، وأعطى الأشرف موسى حران، واحتفظ العادل لنفسه بالإشراف التام على جميع أنحاء دولته.
كان الكامل محمد في مصر، حينما جاءت الحملة الصليبية الخامسة بقيادة "حنا دي برين"، وهاجمت هذه الحملة مدينة دمياط في 4 ربيع الأول 615هـ/ 1 يونية 1218م، وعندما علم الكامل بأخبار هذه الحملة تحرك على وجه السرعة لدفع خطرها، واتجه بجنده إلى مكان قريب، وعسكر جنوبي دمياط.
وكانت دمياط مدينة حصينة تحيط بها الأسوار والقلاع والأبراج، ويرتفع عند مدخل فرع دمياط النيلي برج مشحون بالجند لمنع سفن الأعداء من العبور في النيل والوصول إلى دمياط، إلا أن الصليبيين استطاعوا الاستيلاء عليها، وعندما علم الملك العادل في الشام بذلك الخبر، حتى مرض مرض الموت، وتوفي في أغسطس 615هـ/1218م تاركا لأبنائه تركة ثقيلة.
وكان على ابنه الكامل طرد الصليبيين من الأراضي المصرية، كما كان على ابنه المعظم، الذي خلف أباه في دمشق، حراسة جبهة الشام. هذا فضلاً عن أنه كان على ملوك الشام جميعًا، من بني أيوب، مساعدة الكامل في مصر وتقديم العون السريع له.
وقد حاول الكامل القيام بهجوم على المعسكر الصليبي في أوائل أكتوبر 1218م/615هـ، فعبر نهر النيل وانض عليهم، ولكنهم صمدوا في وجهه، وربما تغلبوا على مقدمة جيشه، مما اضطر الكامل إلى الانسحاب السريع، وزاد من موقف الكامل سوءًا أن البدو أتوا من سيناء والسرقية، ليستفيدوا من حالة الفوضى التي نجمت عن العزو الصليبي، فأغاروا على القرى ونهبوها، بالإضافة إلى تعرضه لمؤامرة ضده لخلعه من الحكم وتولية أخيه الصغير.
وساء الموقف في مصر، لولا وصول أخيه المعظم من الشام في الوقت المناسب، فأعاد الثقة إلى نفس أخيه الكامل، وقضى على المتآمرين، وأعاد تنظيم الجيش الإسلامي الذي رابط عند فارسكور جنوبي العادلية استعدادًا للقاء الحاسم، وفي الوقت نفسه ظل السلطان الكامل يكرر عرضه السخي للصليبيين بالجلاء عن مصر مقابل إعطائهم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية، وجميع ما فتحه صلاح الدين من مدن الساحل، مقابل الجلاء عن مصر، إلا أن الصليبيون رفضوا هذا العرض المتخاذل.
وقد واصل الصليبيون زحفهم جنوبًا حتى مدينة فارسكور في ربيع الآخر 618هـ/يولية 1221م، وكان هذا وقت فيضان النيل السنوي، الذي يشتد في شهر أغسطس من كل عام. وعبرت قوات الجيش الإسلامي، لكي تحاصر الصليبيين قرب “المنزلة”، وشاء الله أن يأتي فيضان النيل عارمًا، ففتحت الجسور، وأغرقت كل الطرق أمام الصليبيين، وعلى صفحة النهر كانت السفن الإسلامية تقطع خطوط الإمداد، وتحول دون اتصال الصليبيين بقاعدتهم في دمياط، وتستولي على عدد من سفن العدو، وتأْسِر بحارته.
ولم يكن أمام الصليبيين بعد أن فاجأتهم الكارثة، وأحيط بهم من كل مكان سوى الاستسلام دون قيد أو شرط، وضاعت أحلام البابوية سدى، وتم جلاء الصليبين عن دمياط في 19 رجب 618هـ/8 سبتمبر 1221م.
كان لتضامن أبناء العادل الثلاثة (الكامل محمد والمعظم عيسى والأشرف موسى)، وتكاتفهم أثر لا يُنكر في تحقيق النصر وإفشال الحملة الصليبية الخامسة، إلا أن هذا التحالف لم يلبث أن انفرط عقده في نهاية سنة 620هـ/1223م، نتيجة لأطماع المعظم عيسى في أن يزيد أملاكه على حساب ممتلكات أخويه.
وبالفعل شب الصراع بين السلطان الكامل والمعظم عيسى، واستعان كل منهما بمن يحقق له الظفر؛ فاستعان المعظم عيسى بالسلطان "جلال الدين الخوارزمي"، سلطان الدولة الخوارزمية، واستنجد السلطان الكامل بالإمبراطور "فريدريك الثاني"، صاحب صقلية وامبراطور الدولة الرومانية المقدسة في غرب أوروبا، وتعهد له مقابل مساعدته أن يعطيه بيت المقدس وجميع فتوح صلاح الدين بالساحل.
في واقع الأمر أن استنجاد السلطان الكامل لم يكن الدافع الوحيد الذي حرك فريدريك الثاني للذهاب إلى الشام، وإنما كانت البابوية تضغط عليه ضغطًا شديدًا للقيام بحملة صليبية جديدة تصحح الأوضاع التي نجمت عن فشل الحملة الصليبية على مصر.
وكان هجوم البابوية على فريدريك الثاني عنيفًا، فاضطر الامبراطور إلى الإذعان، وقرر القيام بحملته الصليبية؛ فغادر صقلية في رجب 625هـ/يونية 1228م قاصدًا بلاد الشام، معتمدًا على وعود صديقه السلطان الكامل الذي مناه ببيت المقدس وبعض المدن التي استولى عليها صلاح الدين من الصليبيين.
ويجمع المؤرخون على أن هذه الحملة كانت أغرب واحدة في سلسلة الحملات الصليبية، حيث أن الإمبراطور فريدريك الثاني أتى إلى الشام وليس معه سوى 500 فارس، وأن الإمبرطور الذي شب في بيئة كانت مركزًا مزدهرًا للحضارة الإسلامية، فتشرب حب المسلمين وحضارتهم منذ طفولته، مما جعل حملته تتسم بمسحة واضحة من الحب والتسامح.
على أن فريدريك لم يكد يصل إلى عكا في 625هـ/سبتمبر 1228م حتى وجد الأمور على غير ما كان يشتهي؛ فقد توفي المعظم عيسى في أواخر سنة 1227م/624هـ، وخلفه ابنه “الناصر داود” الذي كان شابًا في العشرين من عمره، محبًا للهو عديم الخبرة، مما هيأ للكامل والأشرف موسى اقتسام ممتلكات أخيهما المتوفي، ومنحا ابنه الناصر الكرك والشوبك وغيرهما من الجهات الثانوية. وبذلك هدأت الأوضاع بين أبنا البيت الأيوبي، ولم يعد السلطان الكامل في حاجة إلى معونة فريدريك الثاني.
كانت تلك الأخبار مفاجأة قاسية لفريدريك، فساء موقفه، ولكنه لم يفقد الأمل في تحقيق أمانيه مع سلطان اشتهر بالتسامح إلى حد التفريط، ولجأ إلى سلاح المفاوضة والاستعطاف، وكان طبيعيًا أن يرفض السلطان الكامل الوفاء بما تعهد به من تسليمه بيت المقدس، بعدما زال السبب الذي من أجله أقدم على هذا العرض، ولكن فريدريك حاول أعاد المحاولة والمبالغة في استمالة قلب السلطان الكامل، وبالفعل أفلحت هذه السياسة مع السلطان الكامل، فعقد مع فريدريك الثاني “معاهدة يافا” في 22 ربيع الأول 626هـ/18 فبراير 1229م، بمقتضاها تقرر الصلح بين الطرفين لمدة عشر سنوات على أن يأخذ الصليبيون بيت المقدس وبيت لحم والناصرة وصيدا.
وقد أثارت هذه المعاهدة المخزية حفيظة المسلمين وغضبهم في كل مكان، وشعر الكامل بأنه تورط مع فريدريك الثاني، فأخذ يهون من أمر تسليم بيت المقدس، ويعلن أنه لم يعط الفرنج إلا الكنائس والبيوت الخربة، على حين ظل المسجد الأقصى على حاله.
مرض السلطان الكامل وهو بقلعة دمشق بالسعال والإسهال أكثر من عشرين يوم، وكان في رجله نقرس، فمات 635هـ/6 مارس 1238م، وقد استمر في الملك عشرين عامًا، ومن آثاره المدرسة الكاملية بالقاهرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة