حين توفى المشير محمد عبدالغنى الجمسى، فى 7 يونيو، مثل هذا اليوم 2003، تجددت ذكريات المصريين عن أحد كبار القادة العسكريين لحرب أكتوبر 1973، الذى كان له الفضل فى إعداد دراسة عن أفضل توقيت لعبور القوات المصرية، من خلال رئاسته لهيئة عمليات القوات المسلحة المصرية، وأشار إليها الرئيس السادات فى أحاديثه بعد الحرب بكلمة «الكشكول» أو «كشكول الجمسى»، حسبما يذكر«الجمسى» فى مذكراته «مذكرات حرب أكتوبر 1973».
يكشف «الجمسى» بالتفصيل فى مذكراته كيفية إنجاز كشكوله، قائلا: «وضعنا فى هيئة العمليات بمبادأة من الهيئة، هذه الدراسة على ضوء الموقف العسكرى للعدو وقواتنا، وفكرة العملية الهجومية المخططة والمواصفات الفنية لقناة السويس، من حيث المد والجذر، وسرعة التيار واتجاهه، وساعات الإظلام وساعات ضوء القمر، والأحوال الجوية، وحالة البحرين المتوسط والأحمر، التى تحقق أفضل استخدام لقواتنا للقيام بالعملية الهجومية بنجاح، وتحقق أسوأ الظروف لإسرائيل، كما كان ضروريا اختيار أفضل التوقيتات، التى تناسب تنفيذ الهجوم على الجبهتين المصرية والسورية فى توقيت واحد».
لا يختزل «الجمسى» الفضل لنفسه فى إنجاز هذا العمل العلمى الفريد، وهذا من شيم الكبار العظام، يسجل فى مذكراته: «لا بد أن أسجل فضل العقول المصرية فى هيئة عمليات القوات المسلحة مع العقول الأخرى فى تخصصات مختلفة بالقوات المسلحة، التى أسهمت بعلم واقتدار فى نواح علمية وفنية كثيرة استدعتها هذه الدراسة، والتى لولاها لما أمكن تحديد أنسب شهر وأفضل يوم لشن الحرب، وحتى أعطى الفضل لأصحابه فإنى أقول إن هذه الوثيقة هى «كشكول هيئة عمليات القوات المسلحة»، التى أعتز وأفخر أنى كنت رئيسا لها فى فترة مهمة من تاريخ القوات المسلحة وتاريخ مصر».
ولد يوم 9 سبتمبر 1921 بقرية «البتانون» بمحافظة المنوفية، وهو من الجيل الذى بدأ حياته العسكرية مع الحرب العالمية الثانية، التى انطلقت شرارتها فى أول سبتمبر 1939، ويلخص محطات حياته العسكرية قائلا: «بدأت حياتى العسكرية عندما التحقت بالكلية الحربية شابا عمره سبعة عشر عاما وواحد وعشرون يوما، ووجدت نفسى بعد تخرجى فى الكلية الحربية فى الخدمة بالصحراء الغربية، ضمن قوات سلاح الحدود بين السلوم شمالا وواحة سيوة جنوبا، عاصرت الهجوم الإيطالى من ليبيا ضد القوات البريطانية فى الصحراء الغربية، ونجاح الهجوم البريطانى فى معركة سيدى برانى، التى انسحبت على أثرها القوات الإيطالية إلى ليبيا».. يضيف: «برزت مشكلة فلسطين عام 1948 بإنشاء دولة إسرائيل، وتحول الاهتمام إلى الشرق لمواجهة الخطر الجديد، وتعددت الحروب من حرب فلسطين 1948 إلى حرب العدوان الثلاثى على مصر 1956 إلى حرب يونيو 1967، ومنها إلى حرب الاستنزاف، ثم حرب أكتوبر المجيدة 1973، وبذلك تكون قواتنا المسلحة أمضت ثلاثين عاما فى صراع عسكرى مع إسرائيل، وكنت أحد الذين اشتركوا فى كل مراحل هذا الصراع عدا حرب فلسطين 1948، التى كنت فى بعثة تدريبية فى الخارج عند نشوبها».
يذكر: «استعدادا لحرب أكتوبر، تعينت رئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة فى الأسبوع الأول من يناير 1972، ونتيجة لهذه الحرب توليت منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة فى منتصف ديسمبر 1973، وكنت من القادة الذين نالوا أفضل تكريم من الشعب فى مجلس الشعب مع ترقيتى لرتبة فريق، وتصورت وتمنيت أن يكون عمل رئيس الأركان هو آخر وظيفة أتولاها، وأترك الخدمة راضيا، وشاءت إرادة الله أن يتغير طريق حياتى، فقد توفى وزير الحربية، المشير أحمد إسماعيل، فى المستشفى بلندن على أثر مرض أصيب به، استدعى علاجه بالخارج أكثر من مرة، صدمنى وأحزننى نبأ وفاته بحكم علاقة الخدمة العسكرية التى ربطتنا معا فى أوقات الشدة والأيام الصعبة، كنا فى الخدمة معا فى سيناء أثناء حرب يونيو 1967، وشربنا كأس المرارة معا، وكنا معا فى منطقة القناة أثناء إحدى فترات حرب الاستنزاف، وكظمنا غيظنا وتحملنا مرها وحلوها، وكنا معا فى حرب أكتوبر 1973 وشربنا كأس الانتصار معا».
يتذكر: «كنت مع مجموعة من القادة نعمل ليلا لتنظيم تشييع جنازة المشير أحمد إسماعيل قبل وصول جثمانه من لندن، أثناء هذا الاجتماع، اتصل بى السفير حسن كامل، رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، لإبلاغى بتعيينى وزيرا للحربية، وأنى سأحلف اليمين فى الساعة الرابعة بعد ظهر اليوم التالى، أى بعد ساعتين من انتهاء مراسم التشييع»، يعلق: «وهكذا تسير الأمور فى الحرب.. مقاتل يستشهد ويحل محله آخر».
فى الثلاثاء 3 أكتوبر 1978، استدعاه الرئيس السادات فى استراحة القناطر الخيرية، وأبلغه بأنه كلف الدكتور مصطفى خليل بتشكيل وزارة جديدة، وقرر تعيينه مستشارا عسكريا له، ويتولى كمال حسن على بدلا منه، وتغيير اسم وزارة الحربية لتكون «وزارة الدفاع».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة