ونحن نتحدث عن أدوات التواصل والتقنية، وكيف حلت مكان التواصل المباشر، فنحن أمام ظاهرة تفرضها التطورات والتقدم والبشرى، وتفرض تأثيراتها رغما عن الجميع، وفى الأعياد فإن التهانى الجاهزة والصور المعلبة مكان الزيارات واللقاءات، أو حتى مناقشات حول تفضيل الصيف على الشتاء والعكس، أو مناقشات حول «دور الصلصة فى الفتة» كلها تدخل فى سياق المناقشات الطريفة، والتى لا تضر أحدا بل ربما تمثل أنواعا من الترفيه والموضوعات الخفيفة.
وما دامت السوشيال ميديا قد صارت جزءا من البشر فى العالم، ونحن جزء من العالم، فنحن نتلقى ونرسل، ويصعب التفكير فى التراجع عن عالم يتطور أسرع من قدرة البشر على الاستيعاب.
ومثل كل مفردات عصر التقنية، الكاميرا لها ميزات ووظائف كثيرة، مع أدوات التواصل فيس بوك أو تويتر وباقى منصات العرض والتى تحتوى أنشطة متعددة، ولها ميزات وأعراض جانبية.
وما دامت بقيت تلعب دورها كأدوات تواصل، تظهر لها آثار جانبية تصل إلى مرحلة الخطر، عندما تتحول إلى أدوات انتقام وتشهير بل وتلاعب، تصبح خطرًا يهدد المجتمع، ويتمثل اعتداءً على الخصوصية، بل إن فكرة التريند قد تتحول إلى إحدى ظواهر التشويش والتلاعب، لأنها لا تضر ممارسها فقط لكنها تنعكس على آخرين، وعلى المجتمع.
تبدو القضايا التافهة أكثر جذبا من الموضوعات الطبيعية، والكاميرا أيضًا بقدر ما تمثل ثورة فى الاتصال والكشف والتقاط اللحظات، سلاح يمكن أن يتحول إلى نوع من الأسلحة المدمرة، فى حال استعماله من قبل أشخاص لا يقدرون الفواصل بين العام والخاص.
مواقع التواصل الاجتماعى، أصبحت أحيانًا تلعب دورًا يتجاوز الأخبار إلى التفاعل بل والتلوين والتلاعب، مع غياب معايير للنشر أو المحاسبة، خاصة فى الحوادث الكبرى التى تخص الرأى العام، حيث يتجاوز بعض الأطراف الخبر، إلى محاولة تسخير المواقع للتشهير بالضحايا، والتلاعب، بهدف تبرئة المتهم حتى ولو على حساب الضحايا.
وما يجرى مع قضية مقتل طالبة المنصورة، تجاوز كونه موضوعا يثير الاختلاف، إلى لعبة خطرة، حيث تجاوز دفاع المتهم دوره، ولجأ إلى تشويه الضحية من خلال اختراع تفاصيل وعلاقات لم تكن موجودة، وأثبتت النيابة عدم صحتها، لكن هذه الأكاذيب تحولت تحت أيدى أطراف غامضة إلى لعبة تتجاوز البحث عن التريند إلى الطعن فى قواعد القانون والعدالة، حيث يمر التشهير بالضحية من دون حساب لمن يفعل هذا، أو إطلاق حملات لجمع أموال بعيدا عن القانون، أو تجييش أسماء من محامين وإدخالهم فى الصورة لصناعة مجال مشوش وحالة من التضارب.
محام مجهول يجمع تبرعات للدفاع عن المتهم، وتظهر فى الصورة أسماء وشخصيات مزعومة، مع ادعاءات بجمع ملايين، ويدخل فى الصورة محامون ومدافعون ليعلنوا انضمامهم إلى الضحية أو المتهم، وبعض هؤلاء يبحث عن التريند أو صورة وبوست، والبعض الآخر يلعب دورا فى الدراما الافتراضية، ووسط هذا الزحام يصعب التفرقة بين باحث عن المال، أو الشهرة أو التريند، لكن الضحية هى القانون والعدالة، لأن عدم محاسبة من يمارسون التشهير أو يجمعون المال بلا سند ولا قانون، يفتح الباب لآخرين.
وبناءً عليه، هناك حاجة لوضع قواعد للفصل بين ما هو «تواصل اجتماعى»، وما هو تلاعب وتشهير واعتداء على الخصوصية وجمع أموال بلا قانون، لأن الأمر يتجاوز الرأى والتعبير، إلى ممارسة جرائم النصب والتشهير، والاعتداء على القضاء ومخالفة القانون.
هذا النقاش مطروح فى العالم كله، وهناك ضوابط يتم تطبيقها بحسم تجاه كل من يخالف القانون أو يمارس التشهير والاعتداء على الخصوصية، سواء كان يبحث عن تريند أو مال، على حساب المجتمع.