«أنا منهارة بجد بعد قصة الحب دى، فلان وفلانة انفصلوا وطلع خاين، أنا خلاص ما بقتش اصدق إن فى حب»، «كلهم مصطفى أبوحجر، مش قلت لكم ما فيش أمل، شفتوا حكاية فلانة؟» كم مرة صادفت هذه التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى بشكل متكرر ولافت للنظر فى أعقاب انتشار تفاصيل خلاف بين ثنائى شهير على السوشيال ميديا، نقلا خلافاتهما بأدق تفاصيلها إلى صفحات السوشيال ميديا، مثلما ينقلان تفاصيل حياتهما دائما، وأصبحنا نرى نقاشات حامية واختلافات فى الرأى قد تصل إلى حد حظر الأصدقاء أو استبعادهم بسبب وجهات نظر مختلفة فى مشكلة لا تخص أيا منهما فى الأساس.
لم يعد الأمر مقتصرا على المشاهير الذين طالما انشغل الجمهور بمتابعة أخبارهم والنميمة حول علاقاتهم العاطفية أو الزوجية، وإنما يحدث الزخم نفسه حول مشاكل لأشخاص مجهولين تنتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، وكلما ازدادت غرابتها كلما تضاعف الجدل حولها وانتشرت الآراء والأحكام والدروس المستفادة من قصة قد تكون وهمية من الأساس، فكيف يرى المتخصصون النفسيون هذه الظاهرة؟ وما مدى خطورة متابعة هذه المشاكل وتأثير محاصرتنا بها على حياتنا نحن، وعلى علاقاتنا الشخصية، حتى لو لم نشارك
مشاكلنا الاجتماعية عبر منصات السوشيال ميديا؟
جروبات المشاكل سفير جهنم
«سفير جهنم»، هكذا وصف الاستشارى النفسى الدكتور جمال فرويز صفحات ومجموعات المشاكل على السوشيال ميديا، وقال لـ«اليوم السابع»: عندما ننشر مشاكلنا بشكل عام فهذا يمنح الفرصة للناس أن تسقط مشاكلها على مشاكلى، وهناك نسبة كبيرة منهم بالطبع تعانى اضطرابات نفسية، فوفقا لإحصاءات منظمة الصحة العالمى هناك واحد من كل 8 أشخاص فى العالم يعانى اضطرابا نفسيا، وبالتالى هؤلاء حين يدخلون السوشيال ميديا ويجدون أمامهم مشكلة يبدأون كتابة رد، ويسقطون فيه مشكلتهم النفسية ولا يقدمون رأيا محايدا، بل يقدمون آراء تفسد أكثر ما تصلح».
وأضاف «المشكلة الأخرى أن هناك مشاكل غريبة مكانها أوضة النوم والحجرات المغلقة، يتم طرحها أمام كل الناس، وهذا انهيار أخلاقى، ويزيد المشاكل لأن بعض الناس تقرأ هذه المشاكل وتسقطها على الطرف الآخر وشريك حياتها، وينزعجون من بعض وهذا يضخم عيوب الطرف الآخر فى نظرهم، والمصيبة الأكبر أن يتعاملوا معه بناء على الحلول التى طرحت لمشكلة يرونها مشابهة».
مشاركة المشاكل جذابة
أما الدكتور هاشم بحرى، رئيس قسم الطب النفسى بجامعة الأزهر فقال لـ«اليوم السابع» إننا غالبا ما نرى مشاركة واسعة للمشاكل لأن هذا الطبيعى، فلا أحد يتكلم عن الإيجابيات، فالمشاكل تكون لافتة أكثر، وطرح هذه الموضوعات تكون له جاذبية، وتأثير هذه المشاكل على الناس يعتمد على شخصية كل واحد، فهناك شخصيات تتعلم من المشاكل وتتجنب الوقوع فى نفس الأخطاء التى تراها فى المشاكل، وهناك شخصيات متشائمة تقول إنه بما أن غيرى تعرض لهذه المشاكل فأنا غالبا سأتعرض لها ويشعر بالخوف والإحباط مع كل مشكلة جديدة يطالعها.
60% من المشاكل وهمية و90% من الحلول لا تصلح
وقالت د.إيمان الريس المستشار الأسرى والتربوى والنفسى لـ«اليوم السابع» إن نحو 60% من المشاكل التى تنتشر على السوشيال ميديا يكون غير حقيقى، والهدف منه خلق «تريند» وتحقيق انتشار وشهرة، وحتى لو كانت المشكلات حقيقية أنا ضد عرضها على السوشيال ميديا لأن 90% من الناس تقدم حلولا لا تصلح نهائيا، وكثيرا ما نقرأ على هذه المجموعات تعليقات من أصحاب مشكلات سابقة يقولون «الله يخربيتكم خربتوا بيتى».
وأوضحت: «بسبب كثرة قراءة هذه المشاكل ،الناس أصبح لديها ارتباط شرطى، بين الزواج والارتباط والمشاكل ومحكمة الأسرة والانفصال، وهو ما يسبب عكوف المزيد من الشباب والبنات عن الزواج، وتسبب هذا فى مشكلة أخرى وهى لجوء بعض الشباب للزواج من أجنبيات أملا فى أن يجنبهم هذا المشاكل التقليدية من تدخلات الأسرة والقائمة والشبكة والشقة، وهى الزيجات التى غالبا ما تفشل وتؤدى إلى مشكلات أكبر».
وتابعت: «أصبح لدى الناس انطباع أن النماذج الجيدة والمستقرة قليلة جدا، لأنهم دائما ما يرون المشاكل، لكنهم ينسون أن من يعيش حياة مستقرة لن يكتب إن حياتى مستقرة ولا أعانى أى مشاكل، خاصة أن غالبية الناس تخاف من الحسد، أو على الأقل يحبون الحفاظ على الخصوصية».
واختتمت حديثها قائلة: «أتمنى أن تكون هناك رقابة على مجموعات المشاكل، وأن يكون هناك قانون يمنع أن يتولى أى شخص حل المشاكل، مثل الأدوية تماما لا ينبغى لأى شخص أن يصف دواء للآخرين، وأتمنى أن تتم توعية الناس أكثر على مستوى العلاقات الاجتماعية والزوجية وتوعيتهم بأن غالبية هذه المشاكل من طرف واحد، ومرسلها يحب أن يكون فى دور الضحية».
المشاركة مفيدة لكن يجب أن تكون بوعى
فيما قال الدكتور مايكل فيكتور الإستشاري النفسي، إن نشر المشاكل الزوجية على السوشيال ميديا أمر ضره أكثر من نفعه، سواء كان ذلك بشكل خفى أو بالاسم الواضح، فإذا نشرنا المشاكل باسمنا أو حتى منشورات «موجهة» تدل أن هناك مشكلة بيننا وبين الطرف الآخر فإن هذا يسبب شرخا فى العلاقة حتى لو تم حل المشكلة الأساسية بيننا وبين الطرف الآخر، أما إذا نشرناها باسم مجهول فإنها من جهة لن تساعد فى الحصول على الحل الصحيح ومن جهة أخرى، ستترك لدى من يقرأها أثرا سلبيا، فهناك بعض الناس يمكنها التحليل و«الفلترة» ولا تعمم المشكلة أو تسقطها على نفسها، وهناك أشخاص عقلهم أبسط فى استقبال المعلومات لا يحللون ما يقرأونه ويتأثرون بسرعة بأى شىء يقال، وهؤلاء يمثلون نسبة كبيرة من الناس، وبالتالى التأثير السلبى يكون أوسع.
ولحل هذه المشكلة ومواجهة هذا الأثر السلبى نصح الأخصائى النفسى من يقرأ مثل هذه المشاكل بألا يصدق كل ما يقال، وحين يقرأ مشكلة ما يبحث عن مصادر علمية ليعرف أكثر عنها، يجب أن يعرف أيضا أن من ينقل المشكلة غالبا ما لا يرى عيوب نفسه وينقل المشكلة كضحية، لذا لا ينبغى أن نسمع من طرف واحد، ولا يجب أن نعمم ظروف مشكلة أو قصة واحدة على الحياة بأكملها، فلا نقرأ مشكلة عن الخيانة فنصدق أن كل الرجال خائنين، أو مشكلة أخرى فنصدق أن كل النساء «نكديات». وأضاف «المشاركة مفيدة وتزيد من الخبرات وتعلمنا، بشرط أن نشارك ونتلقى بوعى، «مش أى حاجة نصدقها عميانى».
الصفحة في العدد الورقي
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة