بقدر ما أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى جزءا مهما من أدوات العصر فى التواصل، فقد أصبحت تلعب دورا يتجاوز الأخبار إلى التفاعل بل والتلوين والتلاعب، مع غياب معايير للنشر أو المحاسبة، خاصة فى الحوادث الكبرى التى تخص الرأى العام، حيث يتجاوز بعض الأطراف الخبر، إلى محاولة تسخير المواقع للتشهير بالضحايا، والتلاعب، بهدف تبرئة المتهم حتى ولو على حساب الضحايا.
وأكبر مثال على هذا التلاعب، هو ما جرى فى قضية مقتل طالبة المنصورة، حيث تجاوز دفاع المتهم دوره، ولجأ إلى تشويه الضحية من خلال اختراع تفاصيل وعلاقات لم تكن موجودة، وأثبتت النيابة عدم صحتها، وظلت عملية التشهير ضد الضحية قائمة، وفى الوقت ذاته، فإن هذا التشهير تحول تحت أيدى محللى «كل شىء» إلى مادة للتشويش والتلاعب، حيث تتحول صفحات التواصل، إلى مجال للاستعراض أكثر منها للمعرفة، ويعين البعض أنفسهم قضاة ومحللين، ويصدرون أحكاما على أطراف القضية، متجاوزين دور القضاء وجهات التحقيق.
وفى كل دول العالم هناك محاسبة لكل من يُشهر بالضحية أو يقدم معلومات أو ادعاءات من شأنها أن تشوه أى طرف من الأطراف، وهو أمر موجود فى التشريعات والقوانين لدينا، ويفترض أن يتم تطبيقه، حتى يعرف كل من يدعى أنه مسؤول عما يطلقه من أقوال أو يزعمه من ادعاءات.
المفارقة أنه لم تكد تنتهى جلسات قضية مقتل طالبة المنصورة، والتى هزت الرأى العام، بصدور الحكم، حتى ظهر أحد طالبى الشهرة، والباحثين عن التريند، ليزعم أنه سوف يجمع مبالغ الدية ليقدمها إلى أهل الضحية، وبالرغم من أن موضوع الدية ليس معمولا به فى القانون المصرى، وعلمه بحال أسرة المتهم، لكن المحامى المزعوم أعلن ذلك، وخرج إلى مواقع التواصل بحثا عن أضواء، وهو يعرف أن هناك أطرافا جاهزة للتفاعل مع الأمر، طبعا ردت أسرة الضحية بالرفض، لكن ما جرى أن صورة المحامى المزعوم، واسمه، أصبحا مجالا التداول، وبالتالى فقد حقق هدفه، بصرف النظر عن زيف ادعائه، لنجد أنفسنا أمام حالة من حالات البحث عن التريند والأضواء.
الباحث المزعوم عن الأضواء يعرف أن جمع أموال بدون تصريح هو أمر مخالف للقانون، ويعلم أيضا أن مكان المرافعات هو المحاكم ودرجات التقاضى، وليس مواقع التواصل، لكنه مثل كثيرين من طالبى الشهرة، وعشاق «التريند» ممن يهمهم الشهرة وتلميع أنفسهم، حتى لو على حساب الحقيقة والضحايا والقانون.
الشاهد أننا فى قضية طالبة المنصورة، أو مقتل الإعلامية، أصبحنا أمام ظواهر من مدعى القانون، يرتكبون مخالفات علنية، ويسربون أخبارا غير صحيحة، تخدم طرفا على حساب آخر، مستغلين مواقع التواصل، وعواطف المستخدمين، لجمع مال أو حصد شهرة، على حساب القانون والضحايا، وفى الوقت ذاته، فإن بعض من يدخلون بالتعليق أو التحليل، بسوء نية لكونه صاحب مصلحة، فإن بعض من ينخرطون فى التعليق بحسن نية يساهمون فى التشويش، والتشكيك، باستعمال معلومات أو مواد غير حقيقية، فالدفاع عادة يحرص على إخفاء ما يضر وجهة نظره، ويضعف موقف موكله فى القضية، ويبالغ فى الإساءة للطرف الآخر، لكن دخول جمهور من غير ذوى المصلحة يضاعف من حالة الالتباس لدى الرأى العام على مواقع التواصل، بينما القضاء هو المكان الطبيعى لنظر القضايا، لكن ما يحدث أن بعض المحامين يبحثون عن شهرة، وزبائن جدد، بصرف النظر عن القانون والقضاء.
والحل هو تطبيق القانون، ومنع تداول المرافعات وأوراق القضايا خارج قاعات المحاكم، فإذا علم كل من يتناول الأمور على مواقع التواصل أنه سيحاسب على التشهير واختراق الخصوصية، فسوف يراجع نفسه قبل الانخراط فى الإساءة للآخرين، وللقانون.
اليوم السابع