هناك اتفاق على أن التعليم هو القضية التى تشغل بال كل من يهتم بالمستقبل، ونحن على أبواب موسم جديد للثانوية، تواجهنا التساؤلات الدائمة حول التعليم والمستقبل، والاختيارات.
وقد بدأت عملية تطوير وتحديث للتعليم - بشكل عام - من خلال مشروع يبدأ من الحضانة وصولا للثانوية، وفى التعليم الجامعى، تجرى عمليات تطوير وتحديث ارتباطا بتحولات عالمية وعلمية وتقنية، غيرت من شكل وموضوع التخصصات التى يتطلبها سوق العمل، وأهمية أن يتوجه الطلاب إلى تخصصات مطلوبة لسوق العمل،
وهذه القضية مهمة، بل تفرض نفسها على نقاشات وتصورات الجميع، ومعروف أن المصريين - بمختلف مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية - يبذلون كل جهدهم، ويضحون ويسهرون ويخصمون من احتياجاتهم إلى حد الحرمان، لينفقوا على تعليم أبنائهم، وبعد مشوار طويل، لا أولياء الأمور ولا الطلاب يضمنون مستقبلا وعملا، حيث سوق العمل غير واضح، لا خريجى كليات القمة، ولا زملاءهم يقتنعون بصحة اختيارهم، وربما يجد الشاب نفسه مضطرا للحصول على تعليم آخر، ورحلة أخرى للبحث عن فرصة عمل حقيقية توفر استقرارا ماديا وفرصة للترقى الطبيعى فى المجتمع.
كل خريجى الثانوية العامة - تقريبا - يدخلون إلى الجامعات من خلال مكتب التنسيق بناء على المجموع، وعندما يتخرجون، قد لا يحصلون على عمل بتخصصاتهم، بينما تظهر فرص لا تجد من يشغلها، مكتب التنسيق يوفر عدالة شكلية، عدالة لا تضمن لخريجى الجامعات أن يحصلوا على مكان أفضل، حيث المجاميع لا تترجم إلى مراكز.
هناك تخصصات فى التعليم لا يحتاجها سوق العمل، ويتكدس خريجوها بعشرات الآلاف بلا عمل، وفى المقابل هناك تخصصات فنية وعلمية، وصناعية يحتاجها السوق، وتضطر بعض الهيئات أو الشركات الكبرى للاستعانة بالأجانب لشغلها، الواقع الحالى أن الجامعات تضخ سنويا عشرات الآلاف من الخريجين يتكدس أغلبهم بلا عمل.
واقع الحال، أن استمرار نظام التعليم بالطريقة السابقة، مستحيل، فالعالم يتغير، والتكنولوجيا تسبق البشر، والعلم يحتل مكانته فى العالم، بينما التعليم - على مدار عقود - ظل ضمن عملية تجريب، تخلو من علاج العَرَض، اقتصر التطوير على إلغاء سنوات وإضافة أخرى مع استمرار الدروس الخصوصية والملخصات والكتب الخارجية، وأصبحت الغاية من التعليم هى اجتياز الامتحانات، وليس الحصول على معارف تمكن الشاب من شق طريقه بثقة فى الحياة العملية.
الامتحانات تحولت إلى غاية، وليست وسيلة لاختبار الاستيعاب والفهم، ونظام الامتحانات هو أول نقطة يبدأ منها التغيير، وبالفعل خلال السنوات الماضية - ضمن عملية تطوير التعليم - تطلب تغيير نظام التعليم إعادة النظر فى المناهج ونظام الامتحانات، وواجه التعليم الجديد مصالح متعددة، هناك قطاعات واسعة ربحت من فوضى التعليم، كتب خارجية، ودروس خصوصية، ومراكز وتجار امتحانات وتسريبات، هؤلاء هم من شنوا الحملة ضد التطوير، لكن مع الوقت خفتت أصواتهم لكنها مستمرة، وآفة الدروس الخصوصية مستمرة، وطبيعى أن تظهر خطة التطوير صعبة الفهم، وهى عملية متدرجة، هدفها إنهاء الكثير من أصنام التعليم الراسخة طوال عقود.
وما يجرى من تغيير فى نظام الامتحانات بالثانوية العامة، كاشف عن نية واضحة للتطوير، وهناك نقاط مهمة، منها رواتب المعلمين وتدريباتهم بما يناسب تطوير المناهج ومشروع تطوير التعليم، باعتبار العنصر البشرى أساس أى تطوير، لأن التعليم هو القضية الأولى للتحديث، من خلال إنهاء تراكمات عقود من التجريب، ربما يكون الأهم هو إعادة ثقة المواطن فى التعليم وجدواه، وقدرته على صناعة بشر وكفاءات وليس مجرد آلات للامتحانات.
التعليم قضية تخص الجميع، ويفترض أن تكون محورا للحوار المجتمعى، وأن تساندها عمليات تنوير وشرح من المنظمات المدنية والأهلية بجانب الدولة، حتى يمكن تنوير الطالب بكيفية اختيار تخصصات مضمونة، تناسب قدراته، وهى قضية لا تتعلق بنا فقط، لكنها مطروحة فى كل دول العالم بدرجات متفاوتة، لكن بعض الدول تنفق على التدريب والتطوير والبحث، أضعاف ما تنفقه على التعليم المباشر، وعلينا أن نكون قابلين للتحاور حول قضية تخص الحاضر والمستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة