بخطوات ثابتة، وإيمان لا يتزعزع، بواجبهم المقدس، سطر رجال الحماية المدنية بوزارة الداخلية مشاهد إنسانية أثناء إطفاء حريق كنيسة أبو سيفين في إمبابة بالجيزة، والذي أسفر عن 41 وفاة، بسبب الدخان الكثيف الناتج عن الحريق والتدافع بسبب محاولات هروب الضحايا، فيما يتلقى الرعاية الطبية حاليا 12 مصابا، منهم 5 في مستشفى العجوزة، و7 مصابين في مستشفى إمبابة العام.
الملفت للانتباه سرعة تواجد رجال الحماية المدنية بمكان الحريق، فور وقوعه بدقائق قليلة، مما ساهم في إنقاذ عدد كبير من المواطنين، قبل أن تحرقهم النيران، فضلا عن شجاعة واستبسال رجال الحماية المدنية في اختراق النيران الكثيفة وحمل الأطفال والأهالي والخروج بهم لبر الأمان.
ووسط عيون تترقب، وخوف تسلل للقلوب، حيث اصطف الأهالي يشاهدون رجال الحماية المدنية، وهم يقتحمون النيران وينقذون العالقين داخل المباني، ويسهلون مهمة رجال الإسعاف في وضع الضحايا داخل السيارات والتحرك بها نحو المستشفيات.
هذه المشاهد الراقية والاحترافية من رجال الحماية المدنية، الذي يرفعون شعار "من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا"، لقيت استحسان الأهالي، الذين قدموا الشكر للواء محمود توفيق وزير الداخلية وأبطال الحماية المدنية الذين أنقذوا العشرات من موت محقق.
واقفا فى حالة ثبات وإصرار، بدا ضابط الإطفاء كأنه يعيش لحظة إيمانية يُغلفها الشجن، بعدما نجح مع رجاله فى السيطرة على حريق اندلع فى كنيسة أبو سيفين بمنطقة المنيرة الغربية فى حى إمبابة بالجيزة. دخل النار دفاعا عن بيت الله وإخوة الوطن، وخرج منها منتصرا على اللهب، وحزينا على الضحايا، وخاشعا فى أحد المحاريب التى يُعبَد فيها الله ويُتلى اسمه الجليل.
خمسة مُصابين فى كنيسة المنيرة، ضابطان وثلاثة أفراد، بحسب بيان للداخلية. النار لا تُفرّق بين البشر، والرجال الأبطال لا يخافونها ولا يتوانون فى مهمتهم أمام مؤسستهم، وأمام الله والوطن. يعيش رجال الإطفاء حالة دائمة من الانكشاف على جوهر الحياة فى أشد لحظاتها ضعفا وأكثرها خطرا، كأنهم منذورون لمهمة مقدسة، لا تختلف كثيرا عن معنى الفداء الذى يتكرر دوما على مذابح الكنائس وفى طقوسها. مثلما يُؤمن الإخوة الأقباط بأن جسد المسيح ودمه رمز دائم ومتصل لقيمة الفداء والتضحية بالنفس من أجل العالم، يعيش الإطفائيون ضباطا وجنودا حالة إيمان دائمة وممارسة عملية متصلة لتلك الطقوس الفدائية، بينما يدخلون قلب النار مع كل حريق من أجل الانتصار لقلوب المُحاصرين بالخطر، يخاطرون بأرواحهم إنقاذا لأرواح الآخرين، ويُروّضون اللهب الجائع إشباعًا للأمل ومحبّة فى الحياة.
اليوم تكرر المشهد، عشرات من رجال الإطفاء يقتحمون موجا هادرا من النيران لا يأمنون على أنفسهم أن يخرجوا أحياء، ولا يخشون الموت وفى قلب النار أرواح تتشبث بالحياة، ولا يخالجهم شك فى قدرتهم وثقتهم بالله والوطن. اكتملت المهمة وسيطر الرجال على الحريق، وبدأت مهمة إنقاذ المصابين، لتلمع عيون الأبطال بخليط من الإيمان والشجن والتحدّى، إيمان بالمهمة المقدسة التى لا تهاون فيها، وشجن بينما تختلط أنفاس الأحياء والراحلين الأبرياء فى بيت من بيوت الله، وتحدٍّ للخطر والهواجس والمخاوف البشرية التى نشعر بها جميعا، إنكارا للذات ومحبّة للناس وتفانيا فى خدمة الوطن وناسه الطيبين.