تشكل البطولة في الأدب الشعبي أساطير وملاحم وحكايات خارقة عن شخصيات من التاريخ ظهرت في المجتمع المحلى، وفي حياة العديد من الشعوب، العديد من الحكايات عن أبطال خارقين وشخصيات أسطورية، بعضها يظن أنها وجدت بالفعل لكن سيرتها حولها الكثير من الدراما والخيال فتحولت إلى أسطورة خالدة عبر الزمان، تحليل تجذر تلك الظواهر في الأدب الشعبي حاول رائد الأدب الشعبي الدكتور عبد الحميد يونس تفسيرها في كتاب "البطولة في الأدب الشعبي" الصادر في طبعة حديثة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، الذى قدمه تلميذه الدكتور أحمد على مرسى، الذ رحل عالمنا قبل أيام.
ويتناول الكتاب سالف الذكر، ثلاث سير شعبية هي «سيرة عنترة»، و«سيرة بني هلال» أما السيرة الثالثة فهي «سيرة الظاهر بيبرس»، لما تقدمه من مفهوما للبطولة في الموروث الشعبي، وتقدم تصورا عن التراث العربي، من الرؤى والتصورات والأفكار بحكم وضعها التاريخي، وموقعها الجغرافي.
ويقدم الكتاب مفهومًا للبطولة من مدخل الأدب الشعبي، يرفد مجموعة من الرؤى والتصورات والأفكار عن تراث الأمة العربية بحكم وضعها التاريخي، وموقعها الجغرافي، ويرى أنه تراث إنساني، لونته البيئة المادية، وصاغته البيئة الاجتماعية، وأثرت به في حياة الإنسان بصفة عامة من الناحيتين العقلية والوجدانية، وتجلى ذلك في فنون الأدب الشعبي؛ فينبغي أن ينظر إليها على الأساس الوظيفي للأدب، وهو تعبيرها الفني عن وجدان الشعب.
ويرى المؤلف، أن الملحمة الشعبية، تمهد لظهور البطل، وتبدأ قبل خروجه إلى الدنيا، وتمر بمراحل من الإرهاص والتبشير، ثم تأخذ في متابعته خطوة خطوة، وتثقيفه بما ينبغي لمثله أن يثقف به، فتهيئه لأحداثها الكبرى، وأعماله غير المألوفة، يؤكد يونس أنه يمكن النظر إلى تطور فكرة البطولة في المجتمع، باعتبارها عاملاً من عوامل التغير في حياة الإنسان، فالبطل الأسطوري يسعى إلى المعرفة والكشف عن المجهول واستئناس المتوحش، والتحكم في العناصر، والتغلب على الزمان والمكان.
ويرجع الباحث السبب وراء فكرة البطولة يرجع إلى إعجاب الشعب بفكرة البطل. فالحياة بجوانبها المختلفة لـم تصــل إلى ما وصلت إليه إلا بفضل عناصر بطوليّة تغلّبت على الشر وتغلبت على عناصر الضعف والنقص حتى شارفت الكمال، ومن هنا كانت الأساطير مليئة بعناصر البطولة، بطولة الآلهة الذين أخذوا يتصارعون حتى استقر الكون على ما هو عليه، ومن هنا نشأت فكرة الإنسان الإلهي، ذلك الذي استطاع بصفات بطولية وروحية أن يطوع الطبيعة وفق رغبته أو يشاركه قوتها.
ويشير الدكتور يونس إلى أن الملحمة الشعبية تحكي الوجدان القومي العربي، وكانت الحروب الصليبية فترة ذهبية لتلك الملاحم، لذلك أصبحت زاداً للأمة العربية كلها على اختلاف أقاليمها ولهجاتها.
وتحكى السيرة الأولى التي تحدث عنهم يونس، حكاية إنسان هو "عنترة بن شداد" التي فرضت عليه العبودية، فكان عليه أن يحرر نفسه، وتحرير الذات هنا يقتضي تحرير كل الذوات المماثلة، فيما يرى أن سيرة بنى هلال، والتي تحكي سلبيات الذات العربية التي لا يزال بعضها قائماً، حتى اليوم، أما سيرة الظاهر بيبرس، فهي حافلة بأشكال متعددة من المواجهة مع الأعداء الخارجيين، وتجعل الذات العامة هي التي تسعى إلى تأكيد الذات الخاصة التي استطاعت أن تحقق النموذج والمثال الذي تنشده؛ إذ تصور حلماً بمجتمع مثالي يسوده الأمن، ويتمتع بالرفاهية، ويتحقق فيه العدل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة