مباحثات عربية هامة، تشهدها مدينة "العلمين" الجديدة، تجمع بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقادة الأردن والإمارات والبحرين، تستلهم أهميتها من الأوضاع الاستثنائية التي يشهدها المجتمع الدولي، والتي ترقى إلى ما يمكننا تسميته بـ"الطوارئ" الدولية، جراء "تحالف" الأزمات، بين الصراع في أوكرانيا من جانب، وحرائق المناخ التي تلتهم العديد من مناطق العالم من جانب أخر، بالإضافة إلى تداعيات الوباء التي مازالت لم تنته بعد، من جانب ثالث، بينما تبقى الأوضاع الاقتصادية في العالم بأسره، هي المتضرر الأكبر جراء كافة العوامل سالفة الذكر، وهو ما يضفي الكثير من الزخم للجهود التي تبذلها الدولة المصرية، في محيطها الإقليمي، لتوحيد المواقف تجاه الأزمات الدولية الراهنة من جانب، مع تعميق العلاقات مع كافة الأطراف، وتطويرها نحو "الشراكة".
ولعل الحديث عن "الشراكة" في العلاقات الدولية، يضعنا أمام مفهوم يحمل في طياته جانبا يعكس قوة العلاقة، بينما في جانب أخر قدرا من المرونة، بحيث يعتمد هذا المبدأ نهجا يسعى نحو تعزيز الروابط في كافة المجالات، وعلى رأسها الاقتصادية والأمنية، مع توحيد أكبر قدر من المواقف الدولية، خاصة المتعلقة بالمصالح المشتركة، والمرتبطة بالأمن الإقليمي في صورته العامة، جنبا إلى جنب مع احترام كافة الرؤى، فيما يتعلق بالقضايا الخلافية، وتحييدها، والعمل تدريجيا على "تصفيرها"، وهو ما يسمح بصورة كبيرة تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية، لصالح الشركاء، بل ويفتح الباب أمام توسيع الشراكات الدولية القائمة، عبر السماح لكافة أطراف المعادلة الإقليمية للانخراط فيها، وهو ما يساهم بصورة أكبر في إذابة الخلافات، إن وجدت، وبالتالي تحقيق الاستقرار الإقليمي.
ولعل فكرة "الشراكة" على المستوى الدولي، تتماشى إلى حد كبير مع الأوضاع الدولية الراهنة، بعد حالة الانهيار التي أصابت "المعسكرات" التقليدية، والتي اعتمدت على "التحالف" الكامل بين أعضائها، عبر تحقيق "تطابق" كامل في الرؤى الدولية، مقابل الحصول على "الدعم" من قبل "قيادة" التحالف، وهي الرؤية التي اعتمدتها الولايات المتحدة، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عبر تأسيس "المعسكر الغربي"، والذي اعتمد نهجا يقوم في الأساس على الدوران في فلك واشنطن، مقابل الحصول على دعم أمريكا لإعادة بناء دول القارة العجوز التي دمرتها الحرب.
إلا أن نهج التحالفات التقليدية، ربما لم يعد يحظى بالزخم نفسه، منذ نهاية الحرب الباردة، وبداية الهيمنة الأمريكية المطلقة على العالم، حيث حملت العلاقة بين الحلفاء، بذور التنافس، في ظل صعود الاتحاد الأوروبي، وتنامي قدرته على مزاحمة الولايات المتحدة، وهو ما تجلى في التغيير الكبير في السياسات الأمريكية تجاه القارة العجوز، جماعيا، من خلال الاتحاد الأوروبي، والتي سعت واشنطن إلى تعزيز الانقسام داخله، عبر دعم خروج بريطانيا، خلال حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب، أو فرديا، من خلال حرمان دول القارة من بعض المزايا التي طالما تمتعت بها منذ أكثر من 7 عقود، سواء فيما يتعلق بالتجارة أو الأمن، حتى تحول الأمر إلى وضعهم تحت نير التهديدات، إثر المستجدات على الساحة الأوكرانية، سواء في مجال أمن الطاقة أو الغذاء، بينما تتنامى التهديدات تدريجيا إلى حد المخاوف من احتمال نشوب حرب نووية.
وبالتالي تبقى حالة "الشراكة" هي السبيل الوحيد، والبديل الشرعي لـ"التحالفات" التقليدية، وهو ما يمثل خطوة مهمة للتقارب، وهو ما يبدو في النهج المصري، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، وإنما في كافة المناطق الأخرى، وهو ما يبدو في الشراكات التي عقدتها مصر في منطقة المتوسط مع اليونان وقبرص، لتتحول بعد ذلك إلى منتدى غاز شرق المتوسط، والذي انضم إلى عضويته عددا من الدول الأخرى، بينما تمددت الشراكات المصرية في القارة العجوز بعد ذلك، عبر التقارب الملحوظ مع دول "فيشجراد"، مع الاحتفاظ بعلاقاتها مع قوى أوروبا التقليدية، على غرار فرنسا وألمانيا.
الأمر نفسه ينطبق على المنطقة العربية، والتي شهدت العديد من القمم الثلاثية التي عقدتها مصر مع شركائها الإقليميين، فيما يتعلق بالعديد من المجالات المشتركة، وعلى رأسها الاقتصاد والأمن، ناهيك عن المواقف من القضايا التي تمثل أولوية دولية، كالأزمة الأوكرانية والتغيرات المناخية، لتشهد تلك الشراكات اتساعا تدريجيا، من شأنه حماية الاستقرار في الإقليم الذى عانى صراعات طويلة الأمد خلال العقود الماضية.
وهنا يمكننا القول بأن "الشراكة" تمثل منهجا مصريا بامتياز، يعكس حالة من الانسجام بين سياسات الدولة في الداخل، وهو ما سبق وأن أشرت إليه في مقال سابق، حول الاعتماد على المواطن كـ"شريك" حقيقي في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة، من جانب، والسياسات الخارجية التي تعتمد أسلوبا يقوم على التقارب مع المحيط الدولي، مع تحييد الخلافات، والعمل على "تصفيرها" تدريجيا، لتحقيق الاستقرار الإقليمي من جانب أخر.