كانت مصر عام 1911 وهو العام الذى ولد فيه نجيب محفوظ واقعة تحت وطأة الاحتلال الإنجليزى الذى لم يكن قد مر عليه أكثر من 29 عاما إذ دخلت القوات الإنجليزية مصر عام 1882 وهو ما ظهر جليا فى عالم روايات نجيب محفوظ بل يمكن اعتبار الاحتلال الإنجليزى لمصر سببا من أسباب توجهات نجيب محفوظ الروائية بكتاباته التاريخية فى البداية والمتضمنة روايات تعكس المقاومة مثل كفاح طيبة وتمسكه من بعد ذلك فى التعبير عن الحارة المصرية باعتبارها معاملا مضادا للاحتلال وتعبيرا متمسكا بالهوية المصرية الشعبية.
لكن ماذا عن عالم الحارة الذى ولد ونشأ نجيب محفوظ فيه، لقد كان عالما يضم فسيفساء الشعب المصرى التى عبر عنها نجيب محفوظ ممتزجا بتيارات الثورة والمقاومة الشعبية للاحتلال التى كنت تموج بها الحارات والشوارع والأزقة المصرية وهو ما تفتحت عليه أعين نجيب محفوظ فى الجمالية ففى نفس العام الذى ولد فيه كانت مصر تموج بروح ثورية حتى أنه يمكن تسمية عام 1911 بعام المقاومة ففى عام 1911 كانت الحركة الوطنية تسعى للتخلص من الاحتلال، بقيادة الحزب الوطني، وكان الزعيم محمد فريد يتولى رئاسته آنذاك خلفا لمصطفى كامل الزعيم المؤسس للحزب وذلك فى ظل حكم الخديوى عباس حلمى.
في ذلك العام حكم على محمد فريد بالسجن 6 شهور قضاها كاملة، وكان محمد فريد قد وضع مقدمة لديوان الشيخ علي الغاياتي "وطنيتي" الذي شمل هجوما على الإنجليز المحتلين لمصر، وفي مقدمته أشاد محمد فريد بالديوان وصاحبه، داعيا القراء للتأثر بما جاء فيه، فقدم الى المحاكمة وكانت التهمة "تحسين كتاب وطنيتي" وكان الإنجليز والخديوى يتربصون بالحزب وزعيمه وانتهى الأمر بنفي محمد فريد خارج مصر.
وبحسب كتاب "بطل الكفاح الشهيد محمد فريد لعبد الرحمن الرافعى" للمؤرخ عبد الرحمن الرافعى، فإن الوزارة انتهت فرصة ظهور ديوان "وطنيتى" لعلى الغاياتى سنة 1910، فأوعزت إلى النيابة بإقامة الدعوى العمومية على المؤلف، وعلى محمد فريد والشيخ عبد العزيز جاويش، لكتابتهما مقدمتين لهذا الكتاب.
وفي العام نفسه توفى الزعيم أحمد عرابي الذى هوجم بضراوة من بعض رجال الحزب الوطنى، حتى يوم وفاته، ووصل في سبتمبر من 1911 الى الاسكندرية المعتمد البريطاني الجديد اللورد كيتشنر، وكان سعد زغلول ناظرا للحقانية أى وزيرا للعدل.
وعلى الصعيد الفنى كان المسرح يتجه الى الازدهار فضلا عن عروض دار الأوبرا، غير أن مسرح سلامة حجازي شهد بعض التجاوزات لذا فرضت الرقابة في ذلك العام، حيث أصدرت وزارة الداخلية لائحة التياتروهات وارسل هارف باشا الإنجليزى مسؤول الأمن منشورا دوريا الى الأقسام يطالبهم فيه الأشراف بدقة على ما يعرض في صالات "السينما توغراف".