بمجرد أن تطأ قدماك دير مارجرجس البطريركى للروم الأرثوذكس فى مصر القديمة، ترى درة ثمينة وبناء شامخ يجمع بين العراقة والبساطة وقوة الإيمان، وترى الوفود الكنسية المختلفة والزوار المسلمين الذين يأتون إلى الدير طلبا لحاجاتهم الخاصة من القديس مارجرجس.
"شكراً للسيد المسيح والقديس مارجرجس الرومانى على معجزة شفاء والدتى من عدة أمراض خطيرة وبشفاعة البطل الرومانى مارجرجس تم شفائها منهم تماما .. أمين" .. تلك العبارة قرأناها خلال رحلتنا بدير مارجرجس وسط مئات اللوحات العامرة بالشكر للقديس مارجرجس، منها أيضا "شكراً مارجرجس على نجاح ابنك جون في الشهادة الإعدادية"، وشكرا مارجرجس لأنك ثبت بنتك في الشغل" و"شكرا يا مارجرجس على النجاح فى الثانوية العامة مريم ملاك" ، و"شكرا مارجرجس على كلية الطب أنطون نبيل أمين".
لوحات الشكر للقديس مارجرجس
ويضم الدير مجموعة من أيقونات لقديسين تعود للقرون الـ11 إلى الـ15 وسبع كنائس صغيرة تمثل أيام الأسبوع ، وبه برجان رومانيان كان يمر خلالهما نهر النيل، ويوجد فيهما أقدم مقياس لنهر النيل أسفل برج الكنيسة.
ويحتوى على آثار تعود لعصور وأزمنة مختلفة، فضلا عن أنه يضم أيقونة للسيدة العذراء سميت بعذراء القاهرة وهى أيقونة نادرة، كما يحوي توابيت لقديسين ولبطاركة الإسكندرية مصنوعة من الجرانيت المصرى.
وفي الكنيسة الرئيسية للدير يوجد منبران، أحدهما يتلى عليه الإنجيل باللغة اليونانية (لغة الإنجيل المقدس) والآخر بالعربية.
دير مار جرجس من الخارج
ويعتبر دير مارجرجس البطريركي للروم الأرثوذكس في مصر القديمة واحدا من أقدم وأعرق الأديرة فى أرض الكنانة، ومثال مشرف للعيش المشترك، هكذا جاءت أبرز تصريحات الأرشمندريت الدكتور ذمسكينوس الأزرعى، رئيس الدير والأمين العام لمجلس كنائس مصر، في حواره لـ "اليوم السابع"، حيث أكد أن الدير يقع فى منطقة "بابليون مصر"، وموقع "دير مارجرجس للروم الأرثوذكس" يعد مركزاً هاماً فى العصرين الروماني والبيزنطي، وله قيمة روحية بسبب مرور وإقامة "العائلة المقدسة" في هذا المكان بعد قدومها إلى مصر، موضحاً بأن كل مكان مر به السيد المسيح يعتبر موقع مُقدس، لذلك تعد أرض مصر بـ"الأرض المقدسة".
وأضاف الأزرعى، أن هناك أكثر من 25 محطة فى مصر لمسار العائلة المقدسة، ووفق التاريخ والتقليد المسيحي، فالعائلة المقدسة تركت أثر مميز ومقدس في "بابليون".
الزميل محمد الأحمدى مع الأرشمندريت الدكتور ذمسكينوس الأزرعى رئيس الدير
وفي سؤالنا له عن تاريخ إزدهار بناء الأديرة والكنائس في العصور الأولى أكد أن الملك قسطنيطين الكبير أعلن مرسوم ميلانو والذى أقر فيه حرية العبادة عام 313 ميلادى، وهذا المرسوم يعد نقلة نوعية ومهمة للمسيحية في العالم، لأنه أنهى عصر الإضطهاد للمسيحيين فى العالم من عبدة الأوثان، وفي تلك الحقبة الزمنية أي بداية القرن الرابع بدأت الأديرة تزدهر بعد تأسيس الرهبنة وتنظيم أُسس حياة الشركة الرهبانية بالأخص من خلال القديسين أنطونيوس وباخوميوس الكبيرين، وبعدها فى حدود القرن الخامس بدأت شعاع الرهبنة فى دير مار جرجس البطريركى للروم الأرثوذكس في مصر القديمة.
وأما عن تاريخ الدير أشار "رئيس الدير" إلى أن منطقة "بابليون" تحولت من حصن ومقر لإستقبال وإقامة الضباط الرومان ومركز إدارى إلى دير رومى أرثوذكسى بسبب مرور العائلة المقدسة، موضحاً أن الدير موجود منذ أكثر من 15 قرناً بشكل متواصل، ولم تنقطع به الحياة الرهبانية، وكان يقدم خدمات إنسانية واجتماعية وتعليمية أخرى بجانب الخدمة الروحية، لافتًا إلى أنه كان لفترة مدرسة ومقر لليتامى والفقراء ومستشفى لمساعدة المرضى، فكنيسة الروم الأرثوذكس هي كنيسة متذجرة في أرض مصر منذ تأسيس الكرسي الإسكندري من القديس مرقس الرسول.
دير مارجرجس للروم الأرثوذكس
وتابع أن الدير اليوم يقدم دورين أحدهما روحى من خلال العبادة والصلاة لأجل المرضى، وأيضاً دور تواصل بين الأديان والكنائس المسيحية من خلال المركز البطريركي للدراسات والحوار الموجود في الدير، الذي تم إفتتاحه السنة الماضية.
واستطرد أن الرعية الأرثوذكسية فى مصر هى المؤمنين من أصول يونانية، ومؤمنين ناطقين بالعربية أى من المصريين أو العرب، والنائب البطريركى لشؤون الناطقين باللغة العربية هو المطران نيقولا متروبوليت طنطا وتوابعها، مشيرًا إلى أن الكنيسة الرومية تبلغ من العمر ألفي عام، ومؤسسها كما سبق وأشار في مصر هو القديس مرقس الرسول وهى كنيسة رسولية، موضحًا أن هناك عدة مطرانيات بمصر، منها "ممفيس وتوابعها بمصر الجديدة- حلوان والزيتون" برئاسة المطران نيقوديموس (النائب البطريركى في القاهرة)، و"طنطا وتوابعها" برئاسة المطران نيقولاوس، و"الإسماعيلية والسويس وتوابعها برئاسة المطران جبرائيل"، و"بورسعيد ودمياط والمنصورة وتوابعها برئاسة المطران ناركيسوس، إلى جانب كنائس وأدير القاهرة والإسكندرية".
آلات التعذيب
وواصل الأزرعى"، حديثه مع "اليوم السابع" أن أنشطة الرعية تختلف عن الأديرة، فنشاط الرعية روحي واجتماعي، أما الدير فيقتصر بالأخص على نشاط روحى بإقامة الصلوات بحسب النظام الرهبانى، لافتًا إلى أن الكثير من الزوار يكونون من طوائف أخرى وبعضهم من المسلمين، موضحًا أن الذى يأتى إلى الدير يجد صورة مشرفة جدًا في العيش المشترك بمصر، وذلك حينما تجد أشخاصاً من الديانات المختلفة يزورون الدير ويدعون الله القدير، كما نجد لوحات رخامية بالمئات في الكنيسة لأشخاص تابعين لطوائف عديدة يشكرون ربهم بمعجزات حصلت لهم في هذا المكان.
ولفت إلى أن هناك زيارات سياحية من مختلف دول العالم خاصةً بعد انتهاء أعمال ترميمه فى الكامل قبل سبعة سنوات بجهود صاحب الغبطة بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر إفريقيا ثيوذوروس الثانى.
جانب من زيارات الووفود
وتابع رئيس الدير، أن هناك بعض الجهات الإعلامية تهدف لنقل صورة غير واقعية للعالم عن الأوضاع الكنسية بمصر؛ بهدف إثارة القلق والذعر بين المسيحيين وإشعال الفتن الطائفية، ولكن الإنسان يجب أن يكون حكيماً في إدراك الواقع ويكون كالنحل الذى ينتقى الورد الصالح ليأخذ منه.
وأوضح: أن القديس "مارجرجس" كان جندياً وضابطاً في الجيش الروماني، وجاء إلى مصر في القرن الثالث وأعلن إيمانه بالله في «بابليون مصر» وذلك بعدما اكتشف أن الأوثان لا يمكن أن تكون آلهة، وتم سجنه فى حصن بابليون لفترة ثم أطلق سراحه وعاد لفلسطين حيث أستشهد، ولذلك جاءت تسمية الدير بهذا الإسم، بحسب تاريخ الكنيسة الرومية الأرثوذكسية.
الفن المعمارى فى الدير
واختتم: أن الكنيسة تدعو الجميع للصلاة، ومثلما يشير قداسة البابا "ثيودروس الثانى" إلى 3 نقاط مهمة لا بد أن نتذكرها، بأن هناك ثلاثة أشواك تؤلم البشرية، فالشوكة الأولى هي الفقر، ومن الصعب القضاء على الظاهرة ولكن يجب أن نشعر بالفقراء ومساعدتهم بشتى الطرق، والشوكة الثانية هي المرض، فيجب أن نشعر بالمرضى، وأن نقدم لهم المساعدة والدعم، أما الشوكة الثالثة وجود الحروب والنزاعات، لذلك فإنه من المهم أن نصلى وأن نقدم الدعم للفقراء والمرض وجميع المبادرات من أجل السلام في العالم.
الزميل محمد الأحمدى والأرشمندريت الدكتور ذمسكينوس الأزرعى رئيس الدير