فى ورشة تحتفظ جدرانها برائحة وعبق التاريخ، تقف معدات العم" غالى" صامدة بين مئات المباني القديمة بمنطقة أبو عامر بالزقازيق، محتفظة بذكريات واحدة من أقدم الحرف اليدوية المصرية، وبداخلها رجل قارب على الثمانين من العمر، ملامحه يطل منها العبق والأصالة وتجاعيد وجه وبالرغم من تقدمه فى السن تجد روح الشباب تملأ قلبه حب ومرح حقيقى، بمجرد قدومه ورشته الصغيرة فى منطقة شعبية بمدينة الزقازيق ،قصة كفاح العم "غالى" يغلفها حب وحنين لصنعته التى احترفها بالصدفة، وتفوق فيها وأصبح بدرجة فنان مبدع جسد كل فئات المنطقة الشعبية التى ولد وعاش فيها من خلال رسومات خشبية مزركشة بأجمل وازهى الالوان، حيث صمم المرأة الفلاحة وبائع العرق سوس، وبائع الترمس ومدفع رمضان وخفير الدرج، والسوق الشعبى والفرح الشعبي والصياد، جسد كل فئات المجتمع المصرى فى منطقته فى رسومات خشبية لحنينه للفترة التى عاش فيها أجمل أيام طفولته وشبابه.
سرد العم غالى قصته قائلا: "إسمى غالى أحمد عبد العظيم غالى، مواليد 1947 بمنطقة منشأة أبو عامر بمنطقة الصيادين بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وحضرت أغلب الأحداث التاريخية بمصر وكنت من ضمن الجنود فى حرب 1973، وعشت فترة سادها الحب والإخلاص بين جميع أبناء الشعب المصرى، وحصلت على دبلوم زراعة ثم التحقت بمعهد المعلمين، والتحقت للعمل بالتربية والتعليم".
واسترجع العم غالى صاحب الـ75 عاما حكايته مع تصنيع العرائس الخشبية، قائلا أن والده كان رسام بدرجة فنان فورث منه موهبة الرسم، وكان يقصده بعض الجيران لعمل رسومات لهم، وكان شقيقه الأكبر رحمه الله "ضياء" رسام محترف فى فن الطبالو وكان غاوى ومحب يرسم المرأة الفلاحة فى كل رسوماته، وتعلمت مثله الرسم بالوراثة، ودخلت مجال تصنيع العرائس الخشبية بالصدفة،عندما كان عمرى 15 عاما كنت طالبا بالصف الأول الثانوى الزراعى، حضر إليه طالب بكلية الفنون الجميلة يطلب مساعدته فى رسم عروسة روسية ضمن مشروع تخرجه، وطلب منى أن أحاول أعيد رسمها لشخصية مصرية، ففكرت فى رسم المرأة الفلاحة المصرية، فأعجب جدا بها، وبعد فترة حاولت تصميم العروسة فى إطار خشبى، وكانت أول عروسة خشب تصمم فى الشرقية كانت للمرأة الفلاحة، حيث كانت المنطقة التى أعيش فيها منطقة أبو عامر عبارة عن غيطان وقتها، واستهواني منظر المرأة الفلاحة وإزاي بتقدر تحافظ على توازنها فى حمل الزلعة على رأسها، ومن هنا انطلقت وتعلمت خرط الخشب على ماكينة يدوية صممتها بنفسي وتغلبت عليها لحبى فى المهنة،وكنت أول من أدخل العرائس الخشبية منطقة خان الخليلى، وكنت بيبع لهم ال 100 قطعة بـ25 جنيها فى فترة السبعينيات، وانتشرت العروسة ولاقت رواجا كبيرا.
وعن مراحل تصنيع العروسة أوضح العم "غالى" أن تصنيع أى قطعة خشبية تمر بأكثر من مرحلة أولها تقطيع القطع الخشبية وتنظيفها، أفضل نوع يستخدم فى التصنيع هو خشب البرتقال لجودته وسمك حجمه ويعيش فترة تقارب من 100 عاما، ويقوم بعدها بعملية خرط الخشب على ماكينة يدوية من تصنيعه،وتصميم كل قطعة على حسب النموذج المطلوب منه، ثم يقوم بالرسومات على كل قطعه وبعدها عملية الألوان التى تعتبر مهمة جدا لاختيار وتنسيق كل لون حسب الشخصية التى يصممها.
وأوضح : أنه إحترف المهنة جيدا على مدار 60 عاما يعتبرها جزء من جسده، وقام بتصنيع أكثر من 4000 قطعة من العرائس الخشبية، وأصبحت ورشته الصغيرة مقصد طلاب الفنون الجميلة للتعلم بإحتراف ودراسة الناحية العملية وكيفية تعليم اللون وكيفة اختيار اللون والزيون، ونوع خامة الخشب المستخدم.
وأردف العم "غالى" : أكبر مشكلة نعاني منها هى تسويق المنتج بسبب طمع وجشع بعض التجار، الذين يشترون المنتج بقيمة زهيدة لبيعه بقيمة تتعدى ثمنه 4 أضعاف مما يتسبب فى تكدس المنتج عندهم، وفي حال بيعهم العرائس بأسعار مناسبة سوف يعم الخير على الجميع ويكثر الإقبال علينا للتصنيع أفضل من بقاء المنتج لديهم فترة طويلة لحين بيعه بسبب رفعهم سعره بصورة مبالغ فيها.
لم يستطع العم "غالى" أن يمر يومه دون الذهاب إلى ورشته الصغيرة والعمل فيها، دون مساعدة من أحد بالرغم من أنه علم العشرات هذا الفن وكل من تعلم أصبح له وشرته الخاصة، لكنه يرى ان روحه ترد فيه من جديد أثناء العمل يبدع فى كافة الرسومات، وأثناء عمله موجه بالتربية والتعليم كان له بصمات واضحة حيث كان يطلق عليه فنان المكتبات لقيامه بعمل وسائل الإيضاح واللوحات الجمالية.
واختتم "العم غالى" حديثه قائلا : أكثر ما يحزنه على هذة الحرفة اليدوية التراثية الخوف من اندثارها وخاصة أن من يحترفها حاليا بسبب جلب المال وليس حبا فيها مثل أصحاب الصنعة الحقيقون الذين يعشقونها ويعتبرونها جزء من أجسادهم أفنوا عمرهم فيها وأخلصوا لها فرزقهم الله من خيرها بالمال الحلال، وناشد وزارة الثقافة بالاهتمام بأصحاب الحرف اليدوية التراثية لكونها جزء من تراث مصر ويجب ان توثق من خلال أفلام وثائقية.
أعمال فنية
بائعة الطماطم
أعمال فنية
ألعرائس الخشبية
عرائس خشبية
الفلاح المصرى
الفلاحة-المصرية-فى-الأعمال-الخشبية-(1)
ورشته-العم-غالى-يقصدها-طلاب-الفنون-الجميلة-للدراسة-(4)
الفلاحة-المصرية-فى-الأعمال-الخشبية-(2)
تجسيد-كل-فئات-المجتمع-المصرى-فى-الأعمال-الخشبية-(3)
تجسيد-كل-فئات-المجتمع-المصرى-فى-الأعمال-الخشبية-(4)
ورشته-العم-غالى-يقصدها-طلاب-الفنون-الجميلة-للدراسة-(3)
60-عامًا-قضاها--العم-غالى-عبد-العظيم-فى-الإبداع-فى-الرسومات-الخشبية-(2)
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة