على مدى شهور تنقلت بين أكثر من جامعة ومنصة تعليمية فى مصر وخارجها، وشاهدت مثلما شاهد غيرى كيف تنشغل الجامعات بإطلاق برامج تعليمية وبحثية تربط بين التعليم وسوق العمل، وإجراء تعديلات وتطوير فى المناهج وطرق الدراسة بما يتناسب مع حجم التحول فى العلوم والتكنولوجيا والاتصال.
وعلى سبيل المثال فإن صناعة الإعلام صحافة وتليفزيون لم تعد تنفصل عما جرى لأدوات ومنصات النشر، من الصحافة التقليدية الورقية إلى الصحافة الإلكترونية، واندمجت أدوات الإعلام فى بعضها وسقطت الحواجز بين الصحافة والفيديو، بل وظهرت مشروعات فردية تمثل منصات نشر، وأصبح مصطلح «الديجيتال» يجمع كل الأدوات.
أصبح مفهوم الصحفى الشامل الذى يكتب ويصور ويصنع مونتاج ويفكر فى الصورة والخلفية الجرافيك، كل هذه المؤثرات فى «واحد»، والمواقع والصحف تنتج الخبر المكتوب والمرئى، بل إن الفيديو أصبح يحتل أحيانا مكان الصورة أو يجاورها.
من هنا ينشغل القائمون على كليات الإعلام فى جامعات مصر بإدخال تحديثات وتغييرات حتى تواكب التحولات التى أطاحت بأشكال قديمة، وأتاحت أشكالا جديدة، غيرت من أمزجة القراء والمتابعين، وظهرت كليات «الديجيتال ميديا» أو الإعلام الرقمى، لتجمع التخصصات وتخلط بين تدريس الإعلام التقليدى والإلكترونى والتسويق.
ومع أهمية هذه التطورات، فإنها تبدو أحيانا خلف التطورات وليس معها، خاصة مع حجم التحول فى أدوات التكنولوجيا، وحلول الموبايل مكان مجموعة صحف وقنوات إخبارية ومنصات نشر متعددة.
ويبدو الأمر بحاجة إلى حلول من داخل وخارج الصندوق، ومن هنا تأتى أهمية التجربة التى شاهدتها فى كندا أثناء زيارة مع زملاء من رؤساء التحرير منتصف شهر أغسطس، التجربة كانت لافتة ومدهشة، أثناء زيارة لجامعة ريرسون فى تورنتو بكندا بدعوة من الدكتور مجدى القاضى، رئيس مؤسسة الجامعات الكندية فى مصر، بصحبة ثلاثة من الزملاء الصحفيين، كانت المناسبة هى افتتاح فرع لجامعة ريرسون فى العاصمة الإدارية كأول جامعة بالعاصمة الإدارية، وتم افتتاحها خلال هذا الشهر.
فى جامعة ريرسون زرنا كلية تحمل اسم «مدرسة الإبداع» أو The Creative School، واسم المدرسة شائع فى الغرب ويطلق على كليات كثيرة مثل مدرسة الاقتصاد فى لندن أو مدارس الطب.
جامعة ريرسون تأسست قبل 70 سنة وتضم 50 ألف طالب و6 كليات مثل الطب والهندسة والآداب، وتتم فيها الدراسة بطرق ومناهج تحاول التقاط واستيعاب التغيير فى المجتمع والتخصصات، «مدرسة الإبداع» فى جامعة ريرسون كانت تحمل الاسم التقليدى «كلية الإعلام والتصميم»، لكنها الآن تقدم 29 برنامجا دراسيا، الإعلام والموضة والتصميم والديكور وتخطيط وإدارة إنتاج الإعلام بكل أنواعه، وتتجاوز الإعلام بشكله التقليدى لتستوعب أدوات ووسائل ومناهج تسعى لتخريج صحفى أو إعلامى شامل يستطيع العمل مع فريق، مع القدرة على إنتاج قصص مكتوبة ومرئية، بل وأيضا يمكنه استيعاب الدراما والتصميمات، وحتى الذكاء الاصطناعى متوفر ضمن الدراسة.
مدرسة الإبداع هى مجال لتقديم الإعلام بطريقة جديدة، وليس فقط المنهج التقليدى والأساليب الحديثة، بل وما قد يستجد من تطورات فى أدوات النشر ومنصات التفاعل.
عميد مدرسة الإبداع تشارلز فالسون، ليس أكاديميا لكنه من عالم صناعة الإعلام، صحفى ومذيع ومنتج إعلام، وكان توليه قيادة مدرسة الإبداع فى حد ذاته تحولا كبيرا، فهو ليس عميدا يتولى من تراتبية أكاديمية أو مهنية، لكنه جاء من عالم الممارسة العملية للإعلام وليس لسيرته الذاتية المهنية فى الجامعة، ويقول إنه عندما تم اختياره من خارج الصندوق أعلن أنه سيغير طريقة التدريس لتخريج شباب متمكن وملم بكل عملية الإنتاج والإبداع الإعلامى، يعرف أين يذهب بعد التخرج ومستعد للعمل فى مجتمع الميديا بكل تعقيداته، وهذا يجعل المناهج تجمع بين النظرى والعملى.
والأساتذة أيضا يقدمون مناهج مختلفة، لأنهم قادمون من صناعة الإعلام، ويرفعون شعار أن يكون الخريج جزءا من المستقبل وليس مجرد حامل شهادة.
ومن خلال مدرسة الإبداع، الهدف هو طالب وخريج يعرف كل تفاصيل عملية إنتاج الإعلام، جمع ونشر الأخبار والنشرات وتقديم البرامج وقراءة النشرة، بل وبناء الديكورات وتصميم الجرافيك والمونتاج، بل وإدارة العمل الصحفى إداريا واقتصاديا وتسويقه.
شاهدنا فى مدرسة الإبداع طلابا فى ورش ومسارح وغرف أخبار وبث، وجرافيك وإنتاج خلفيات وديكور وإضاءة وتصميم، كل هذا داخل مجال يتيح التفاعل والتجريب والابتكار.
فى مدرسة الإبداع شاهدنا بالفعل ورش ديكور ومنصات إنتاج الأخبار المكتوبة والمصورة ومسرحا وملابس وفنون الصورة والصوت ومونتاج وجرافيك ودراما، مع تأكيد من أساتذتها وعميدها أن الهدف تخريج كفاءات للعمل فى المجتمع والعالم ومجاراة التطور.
عميد المدرسة تشارلز فالسون، يصف نفسه أحيانا بالمجنون، لكنه فى الواقع يعرف ماذا يريد، ويقدم تجربة فى التعليم والتطوير تجارى العصر وتتجه للمستقبل، وهو موقف جامعة ريرسون الكندية التى اختارها الدكتور مجدى القاضى رئيس الجامعات الكندية فى مصر، لتكون هى أول جامعة فى العاصمة الإدارية ضمن جامعات أخرى وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى بوجودها.. بل إن مدرسة الإبداع تأتى ضمن الكليات فى فرع الجامعة بمصر، وهو ما أثار إعجابنا وفرحنا بأن يحصل الطالب عموما، وخاصة الإعلام فى مصر، على منهج إبداعى يسهم فى الجمع بين النظرى والعملى ويقدم تعليما للمستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة