أرسل لي الصديق المهندس محمد أبو سعدة رئيس مجلس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري العدد الجديد من سلسلة "ذاكرة المدينة" التي أطلقها الجهاز ضمن مشاريعه التوثيقية للأماكن والمدن والثراء العمراني للمناطق ذات القيمة التراثية والتاريخية في ربوع مصر.
الجهاز القومي للتنسيق الحضاري علاوة على قيامه بالمشروع القومي والحضاري الضخم لتطوير القاهرة الخديوية وتطوير عواصم ومدن مصر يشرف أيضًا على جزء مهم للحفاظ على الذاكرة الفنية والتراثية المصرية من خلال مشروع "عاشوا هنا" للتعريف بالرموز الفنية والأدبية والسياسية المصرية في القاهرة وباقي مدن المحروسة، وأيضًا مشروع حكايات الشوارع. في إطار نشر ورفع منسوب الوعي لدى الأجيال الجديدة وتعريفها بتاريخها الحي وبتراثها الذي لا يقدر بثمن.
وأحيانًا كثيرة أتساءل عندما يقع بين يدي سلسلة "ذاكرة المدينة"، لماذا لا يتم توزيع تلك الأعداد في المدارس والجامعات والتجمعات والفعاليات الشبابية لتوعية وتثقيف وتعريف تلك الأجيال بتاريخها وحماية وصون الذاكرة الوطنية من التشويه والتزييف لتاريخها الوطني الذى نراه حولنا في كل مكان.. أقترح أو أتمنى أن تبادر وزارة الثقافة بالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي والرياضة والشباب بتعميم مشروع ذاكرة مدن وأماكن مصر وتخصيص ساعات دراسية لقراءتها ودراساتها في المدارس والجامعات، وإدراجها ضمن فعاليات الشباب والرياضة لتنظيم المسابقات حولها.
نفتقد في مدارسنا ومراكز شبابنا مسابقات "الوعي القومي" التي كانت تدفع الشباب في زمن سابق إلى القراءة والمطالعة والبحث في التاريخ والتراث بكل صوره وأنواعه استعدادًا للمنافسة مع فرق أخرى للمدارس وحتى الجامعات وهو ما يقم به حاليًا برنامج "العباقرة"، فمسابقات الوعي القومي كانت مقررة بشكل دوري داخل المدرسة الواحدة وبين المدارس في المدن والمحافظات وصولاً الى مستوى الجمهورية وكانت تذاع في الإذاعة المصرية باسم أوائل الطلبة، وهذه البرامج يجب تدعيمها -اذا كانت مستمرة كما عرفت- إعلاميًا في البرامج التليفزيونية والإذاعية من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية العامة والمرحلة الجامعية، بل يمكن التوسع فيها في الشركات والمصانع لخلق وعي عمالي لدى فئة عريضة في المجتمع المصري.
العدد الجديد من ذاكرة المدينة الذي دعمته -للحق والإنصاف- الدكتورة الفنانة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة السابقة يتناول هذه المرة واحة سيوة وهي إحدى البقاع النادرة التي يقصدها المغرمون بها من مصر ومن دول العالم للاستمتاع بطبيعتها الساحرة والخلابة أو للاستشفاء في رمالها، ويستعرض الكتاب خصائص العمارة في واحة سيوة المتفردة بصفاتها المعمارية التي تواكب طبيعة سكانها وتتماشى مع عاداتهم وتقاليدهم.
من يقرأ الكتاب يدرك على الفور أن هناك جهدًا كبيرًا مشكورًا في تأليفه ووضع اشتراطات عامة للبناء والتعامل مع المباني ذات القيمة المميزة بالواحة للحفاظ على الإرث الحضاري والالتزام بضابط تنظم سياسات العمران في الواحة والمنطقة بشكل عام.
وسيوة هي احدى واحات مصر الخمس القابعة برمال الصحراء الغربية وهى سيوة والفرافرة والبحرية والداخلة والخارجة.
وكما يقول الدكتور حاتم الطويل أستاذ العمارة والتصميم العمراني بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية ومؤلف العدد الجديد من "ذاكرة المدينة"، فإن سيوة تتخذ لنفسها طابعًا عمرانيًا مميزًا عن باقي واحات مصر حيث تمتزج فيها الطبيعة من رمال وجبال ومياه ووديان مع العمارة والعمران.
وما زالت سيوة تمثل لغزًا للصحراء من حيث المكان والإنسان، فكل ما فيها يمثل لغزًا كبيرًا تراكمت من خلاله أحداث وحقائق أتت بهذه المنظومة الرائعة للبيئة العمرانية الممتزجة مع البيئة الطبيعية، ويتوسط كل ذلك الإنسان المصري صانع تلك الحضارة العظيمة.
يستعرض الكتاب تاريخ سيوة وأوضاعها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فسيوة هي أم الأرض في اللغة المصرية القديمة -سيخت أم- وجيش قمبيز ورحلة الإسكندر الأكبر لسيوة وحتى الفتح الإسلامي.
وهنا لابد أن نذكر العمل الأدبي الوحيد الذي تناول واحة سيوة وهي رواية " واحة الغروب" للأديب الكبير بهاء طاهر عام 2008 والتي تحولت إلى مسلسل تليفزيوني بنفس الاسم عام 2017 خلال شهر رمضان، من إخراج كاملة أبو ذكرى وبطولة خالد النبوي، منة شلبي، سيد رجب، أحمد كمال ورشدي الشامي.
وتدور أحداث الرواية في نهايات القرن التاسع عشر مع بداية الاحتلال البريطاني لمصر، بطل الرواية هو ضابط البوليس المصري محمود عبد الظاهر الذي يتم إرساله إلى واحة سيوة كعقاب له بعد شك السلطات في تعاطفه مع الأفكار الثورية لجمال الدين الأفغاني والزعيم أحمد عرابي. ويصطحب الضابط معه زوجته الأيرلندية كاثرين الشغوفة بالآثار التي تبحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر، لينغمسا في عالم جديد شديد الثراء يمزج بين الماضي والحاضر، ويقدم تجربة للعلاقة بين الشرق والغرب على المستويين الإنساني والحضاري.
الكتاب بالفعل يستحق القراءة ويستحق الاحتفاء به وتناوله ومناقشته في قصور الثقافة والمدارس والجامعات والبرامج التليفزيونية المتخصصة والمتنوعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة