على مدار عقود ظلت قضية التغير المناخى بعيدة عن الاهتمام العالمى، وبالرغم من تحذيرات العلماء، بقيت القضية خارج دوائر الفعل، ومنذ السبعينيات من القرن العشرين، كانت الأحاديث والتقارير تدور حول تأثيرات التلوث على الغلاف الجوى، وارتفاع درجات حرارة الجو، وزيادة الأشعة الخطرة، وما عرف بثقب الأوزون فى الغلاف الجوى حول الأرض.
وخلال الثمانينيات والتسعينيات، شهدت قارة أفريقيا التأثيرات والآثار الأكثر سلبية على البيئة، وواجهت القارة موجات من الجفاف واختلالات البيئة مع زحف الصحراء على الأراضى، وبدا أن أفريقيا تدفع الثمن الأكبر لطموحات الدول الصناعية.
أفريقيا لم تسهم إلا قليلا فى تغير المناخ ولم تولد سوى جزء ضئيل من الانبعاثات العالمية، وتدفع الثمن الأكبر لتغير المناخ عليها، فى صورة فقر ووفيات وأمراض من أبرزها تزايد مستويات الفقر بها، وتشير إحصاءات منظمة الأمم المتحدة، إلى أن أفريقيا - التى تدفع فاتورة باهظة لأزمة المناخ وتواجه تحديات مضاعفة - تسهم بنسبة لا تتجاوز الـ4% من الانبعاثات العالمية المسببة للاحتباس الحرارى، وذلك عند مستوى 0.8 طن من انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون فى العام.
وتعتبر انبعاثات الفرد فى أفريقيا أقل من المتوسط العالمى «البالغ 5 أطنان من انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون فى العام»، وأقل بكثير من المناطق الأخرى مثل أوروبا وآسيا.
ومع الجهود المبذولة فى قمة المناخ كوب 26، التى انعقدت فى نوفمبر 2022 فى جلاسكو للفت انتباه العالم إلى الحاجة الملحّة لمعالجة تغير المناخ ووافقت 197 دولة على ميثاق القمة.
ويعود الفضل فى التوصل إلى اتفاق فى قمة المناخ COP 26 للدول النامية، ومنها الأفريقية التى طرحت وجهات نظرها، ولعبت مصر دورا مهما فى القمة الأخيرة وتحدثت بلسان أفريقيا، التى تواجه زيادات كارثية فى درجات الحرارة ، ويزداد تهديد أزمة التغير المناخى فى أفريقيا ليطال الناتج المحلى الإجمالى للدول الأفريقية الأكثر عرضة لتداعيات الأزمة، ويتوقع أن ترتفع خسائر النشاط الاقتصادى من 899.4 مليار دولار فى 2018 إلى أكثر من 1.36 تريليون دولار فى عام 2023، وهو ما يقرب من نصف الناتج المحلى الإجمالى المتوقع لأفريقيا.
ومن أبرز ظواهر تغيرات المناخ التى تهدد القارة السمراء هما ظاهرتا الجفاف والتصحر، وتعرض عدة دول أفريقيا لمخاطر كبيرة مع حلول 2050، بسبب تآكل السواحل وارتفاع مستوى سطح البحر.
كل هذا يضاعف من أهمية القمة 27 للمناخ،COP 27 التى تعقد فى شرم الشيخ نوفمبر المقبل، بجهود مكثفة من الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يؤكد أهمية التوصل إلى توصيات متوازنة عن القمة يمكنها معالجة التأثيرات الخطيرة للتغير المناخى على العالم الثالث وخاصة قارة أفريقيا، وقال إن 20 دولة صناعية تتسبب فى 80% من الانبعاثات، بينما 48 دولة فى أفريقيا تساهم بنحو 0.5% من الانبعاثات، وهى الأكثر تضررا من الانبعاثات وآثار التغير المناخى، داعيا خلال كلمة بمنتدى مصر للتعاون الدولى والتمويل الإنمائى بالعاصمة الإدارية الجديدة مؤخرا إلى ضرورة العمل الجماعى لمواجهة التغيرات.
خلال هذا المنتدى كانت هناك تأكيدات من ممثلى المناخ فى المنظمات الدولية لهذه الحقائق والأرقام التى تعنى وجود أزمة تتطلب مواجهتها، كما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن مجابهة التغير المناخى وتكلفته أفضل كثيرا من التكلفة التى يتسبب فيها التغير نفسه، ومطلوب 800 مليار دولار سنويا للتخفيف من حدة التغير المناخى فى الدول النامية بحلول عام 2025، ومن العدالة والموضوعية أن يكون هناك دعم للدول النامية.
وقال الرئيس إن مصر تأخذ زمام المبادرة لإنجاح القمة القادمة، والتوصل إلى توصيات تجد طريقها للتنفيذ، كما أكد على الأهمية المتزايدة لقضية تغير المناخ التى أصبحت موجودة فى وجدان العالم، ومن أولويات أجندة التنمية المستدامة، لكن جهود التكيف مع آثار التغير المناخى تعانى نقص التمويل مع الحاجة إلى 800 مليار دولار سنويا للتخفيف من حدة التغير المناخى بحلول عام 2025 فى الدول النامية، وهو ما يضع على عاتقنا مسؤولية كبيرة لعدم التأثر بهذه الصعوبات على وتيرة التنفيذ ورؤيتنا المشتركة لمواجهة التغير المناخى.
الرئيس أشار كذلك إلى أن مصر أولى الدول التى وضعت خطة استراتيجية للتنمية المستدامة 2030، وكان الموضوع البيئى على رأسها، وأطلقنا قبل عام ونصف العام مبادرة «حياة كريمة» التى تسهم فى تحسين حياة 60 مليون إنسان، مياه وطاقة وصرف صحى ومعالجة مياه.. وتعد مصر ببرامجها فى تحسين معالجة المياه هى الدولة رقم 1 فى معالجة المياه، طبقا لمعايير الصحة العالمية.. وهو برنامج وطنى ضخم جدا للاستفادة من كل نقطة مياه، ولا يترتب عليه أى تلوث فى البحيرات والبحر المتوسط، وأكد الرئيس على الأهمية المتزايدة لقضية تغير المناخ التى أصبحت موجودة فى وجدان العالم، ومن أولويات أجندة التنمية المستدامة.
ولفت الرئيس إلى أن مصر أطلقت الاستراتيجية الوطنية للمناخ 2050، والتى ترتكز على الأمن الغذائى والطاقة، كما أن العاصمة الإدارية جزء من برنامج مصرى ضخم فى مدن الجيل الرابع الذكية التى تقلل من الانبعاثات، من بين 20 مدينة تقيمها مصر، التى اختارت هذا الخيار بالرغم من أنه مثل ضغطا اقتصاديا.
لقد تبنت مصر مبكرا استراتيجية واضحة لمواجهة التغير المناخى، وحرصت على أن ترفع صوت أفريقيا، وتؤكد أن مواجهة التغير المناخى بأخطاره على العالم تتطلب جهدا جماعيا وأن أفريقيا لا يجب أن تدفع ثمن انبعاثات لم تطلقها، وحتى لا تدفع أفريقيا الثمن أكثر من مرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة