على مدار شهور منذ إطلاق الرئيس عبدالفتاح السيسى، لمبادرة الحوار الوطنى التقيت واستمعت إلى عدد كبير من المثقفين والسياسيين وأكاديميين ومهنيين، وزملاء من كل الفئات والاتجاهات، سواء مباشرة أو على شاشات الفضائيات ومواقع التواصل، ونظن أن هذه الآراء تمثل فى حد ذاتها حوارا مطلوبا وتوسيعا للمشاركة، وبالرغم من تركيز كل طرف على نقطة أو نقاط فإن الاقتصاد يظل النقطة الأهم فى سياق الحوار، والتى تحظى بالنصيب الأوفى من الحديث، بجانب الحديث عن الأحزاب والبرلمان والمحليات والإعلام، والممارسة السياسية.
المبادرة خلقت حالة من الحيوية، وفتحت شهية كثيرين للحديث وطرح الأفكار، وتحديد أطر الموضوعات التى يفترض أن يشملها الحوار الوطنى، وهى موضوعات متعددة وتستغرق وقتا لبلورتها، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك جزءا مهما من المطالب يتم التعامل معه مباشرة من قبل الدولة، مثل نشاط لجنة العفو الرئاسى التى تتحرك على مدى شهور للإفراج عن المحبوسين، سواء عن طريق النيابة العامة أو بقرارات رئاسية عن الصادر ضدهم أحكام، وتُوسع اللجنة عملها بدمج المفرج عنهم ومتابعة عودتهم لحياتهم وأعمالهم لتكون جسرا جديدا بين المفرج عنهم والمجتمع والجهات التنفيذية، بما يقوى دور اللجنة وفاعليته فى تمهيد أرضية الحوار، وبشكل أسبوعى ويومى يتم إطلاق عدد من المحبوسين، والاتجاه لدمجهم ومتابعة حياتهم.
كل ما يتم يمثل عملية مستمرة، لبناء الثقة بين كل الأطياف، وخلق جسور للحوار يمكن من خلالها للأطراف المختلفة أن تطرح وجهة نظرها، انطلاقا من تجربة 9 سنوات سابقة، بل والاستفادة من تجارب 12 عاما شهدت العديد من التحولات، وعجزت تيارات كثيرة عن خلق حالة حوار ومشاركة توسع التفاعل بين الأطراف المختلفة، والواقع أن ما يتم يمثل ردا عمليا على الكثير من الأسئلة التى طرحت، أو التقارير والمنصات التى حاولت تصوير الحوار على أنه نسخة جاهزة، بينما الممارسة تثبت أننا أمام نسخة محلية من التعامل فى ملفات متشابكة مثل حقوق الإنسان أو الممارسة السياسية، بعيدا عن القوالب الجاهزة التى تبقى فى سياق الطرح النظرى من دون مراعاة لخصوصيات كل مجتمع وظروفه الاقتصادية والاجتماعية والسكانية.
وحتى فيما يتعلق بالاقتصاد والأسعار والأزمة العالمية، يفترض النظر إلى الأمر داخل انعكاسات أزمة عالمية، بل والتعامل مع ما تطرحه من عناصر وتأثيرات عالمية، وفى نفس الوقت عناصر محلية تتعلق بحجم النمو الاقتصادى والنمو السكانى، فقد استقبلت مصر أكثر من 25 مليون بجانب 7 ملايين من دول عربية لجأوا لمصر ويعيشون فيها كمواطنين، ومع هذا فإن الدولة لم تتوقف عن العمل فى كل الاتجاهات، وطرح المبادرات الخاصة بالصحة والتعليم والإسكان والمدن فضلا عن شبكات الطرق وتأمين الطاقة، فى وقت يواجه فيه العالم أزمات متعددة، تنعكس على الاقتصاد والأسعار.
وقد أشرنا إلى قطاع مثل السياحة والذى يقدم فرصا مهمة لعوائد سياحية مباشرة فى حال التسويق والتوسع، والتفاعل مع العاملين بالخارج أو تقديم عروض وفرص للسياحة من كل دول العالم وأوروبا، وهى ليست فقط سياحة شاطئية أو ثقافية أو علاجية، لكن أيضا إقامات مؤقتة لسياحة الأعمال من دول أوروبا أو غيرها، وهى فرص للقطاع السياحى، مطروحة وتحتاج للمناقشة، بل إن العاملين فى الخارج والذين يساهمون فى الاقتصاد يمكن أن يقدم المتحاورون أفكارا وبرامج لدعم تواجدهم واستثماراتهم، وكثيرون منهم لديهم الرغبة والاستعداد لهذا.
وهذه مجرد أمثلة لأفكار يمكن أن يشملها المحور الاقتصادى فى الحوار الوطنى، أو المؤتمر الاقتصاد المزمع عقده، بالشكل الذى يكون فرصة لطرح أفكار لتعظيم العوائد، ودعم التصدير، من خلال نقاش يبنى على ما تحقق، وينطلق إلى آفاق أوسع من التعاون والمشاركة، فالاقتصاد قاطرة العمل مع الأفكار السياسية والاجتماعية التى تفرض نفسها على الجميع.