على مدار الأعوام الماضية، سعت مصر لتوفير مزيج اقتصادي يقوم على تعزيز قطاعي الصناعة والخدمات؛ إذ أسهم تمتع مصر بوفرة القطن المصري المعروف عالميًا بجودته العالية في تغذية صناعة الغزل والنسيج والذي تعد مكونًا مهمًا للاقتصاد الوطني، بل وسمح بأن تتميز مصر كأحد الدول الرائدة في تلك الصناعة على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا.
دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات للباحثة أسماء فهمي، أكدت أنه بالرغم من ذلك فإن هذه الصناعة يواجهها عدد من التحديات دفعت الدولة إلى بذل الجهود ضمن استراتيجيتها الهادفة إلى تطوير القطاع، ومؤخرًا أطلقت مصر مجلس الصناعات النسيجية، وتخطط لإنشاء مجمع للغزل والنسيج في مدينة السادات بالشراكة مع الصين لتصبح أكبر مدينة لصناعة المنسوجات.
وكذلك تولي الدولة اهتمامًا كبيرًا بتحسين الآلية التي تقوم عليها صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة في مصر لتطابق المعايير الدولية، وبما يسمح بتلبية احتياجات السوق المحلية وتعزيز جودة المنتجات المصرية للتصدير للأسواق العالمية.
القطن المصري
تمتلك مصر صناعة نسيج وملابس كبيرة جدًا تعتمد بشكل أساسي على ألياف القطن وحدها أو ممزوجة بألياف طبيعية أو صناعية أخرى، وبحسب توقعات وزارة الزراعة الأمريكية لسنة 2022/2023، فإن الكمية المنتجة سترتفع لتصل إلى 420 ألف بالة، مقارنة بما كانت عليه عند 280 ألف بالة عام 2021/2022 و215 ألف بالة في عام 2020/2021.
وذكرت الوزارة المساحة المحصودة من القطن ستصل إلى 130 ألف هكتار عام 2022/2023، مقارنة بما كانت عليه 85 ألف هكتار في عام 2020/2021؛ ويرجع السبب وراء زيادة التوقعات إلى ارتفاع الطلب على القطن وبالتبعية زيادة الأسعار مما حفز المزارعين على مواصلة زراعة القطن.
ويمكن متابعة تطور المساحة المحصودة وإنتاجية القطن المصري خلال الفترة 2018/2018 – 2022/2023 وفقًا لوزارة الزراعة الأمريكية من خلال الشكل التالي:
يتضح من الشكل السابق أن تحسين أصناف بذور القطن أدى إلى ارتفاع إنتاج القطن إلى أقصاه عام 2018/2019 والذي صاحبه ارتفاع في المساحة المحصودة لتصل إلى 141 ألف هكتار، ويوضح الشكل أن توقعات إنتاج القطن والمساحة المحصودة تقترب عام 2022/2023 من الكمية المنتجة والمساحة المحصودة عام 2018/2019.
وتتمتع بمصر بقطن عالي الجودة؛ إذ توفر حوالي 17% من القطن طويل التيلة العالمي وهو ما يمثل حوالي نصف إنتاج أكبر مصدرين في العالم الولايات المتحدة، والصين، ويبلغ الاستهلاك المحلي للقطن طويل التيلة في مصر حوالي 18% من الإنتاج، وهو يفوق الاستهلاك المحلي في الهند والصين الموردين المحليين.
ـ أهمية صناعة الغزل والنسيج.
يعد قطاع الغزل والنسيج ثاني أكبر قطاع بعد قطاع الزراعة، ويلعب دورًا رئيسًا في تشكيل الاقتصاد المصري. ويستحوذ قطاع الغزل والنسيج على 20% من حجم العمالة في مصر.
وبحسب التقرير الصادر عن مركز معلومات قطاع الأعمال العام، فإنه يمكن متابعة تطور العاملين في إجمالي الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج من خلال الشكل التالي:
وبالرغم من تراجع العمالة في الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، إلا أن إجمالي العمالة بالقطاع يمنحها ثاني أعلى نسبة من العمالة الصناعية في البلاد. وبالرغم من أن القطاع يواجه تحديات إنتاجية بوصفه يسهم في 3.7% فقط من القيمة المضافة للصناعات التحويلية المحلية، إلا أنه لا تزال مصر تمثل محورًا قاريًا مهمًا بوصفها ثاني أكبر مُصنِّع للملابس في إفريقيا بعد المغرب وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وكذلك يسهم القطاع بحوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وتستحوذ صادرات القطاع على 12% من إجمالي الصادرات المصرية.
وسجًل إجمالي الصــادرات المصرية من الغزل والنســيج والملابس الجاهزة والمفروشــات المنزليــة 3.67 مليــار دولار خلال عــام 2019، واستحوذت تركيا وإيطاليــا والجزائــر والولايات المتحــدة الأمريكية وألمانيا وإســبانيا والمملكة المتحدة على منتجات الغزل والنســيج المصرية. وجاءت مصر في المرتبة العشــرين في قائمــة الدول المصــدرة للملابس الجاهزة والمنســوجات للولايات المتحدة الأمريكية بإجمالي صادرات بلغ 1.15 مليار دولار خلال عام 2019 وذلك وفقًا لوزارة التجارة والصناعة.
ـ جهود الدولة للنهوض بقطاع الغزل والنسيج.
فيما يتعلق بإنتاجية محصول القطن: فقد قامت مصر منذ عام 2017 بتكثيف جهودها فيما يتعلق بتحسين ورفع إنتاجية المحصول ليصبح متنوعًا وبجودة عالية؛ فنفذت خطة من 19 بندًا تضمنت توفير بذور عالية الجودة لزيادة الغلة والجودة من حيث الطول والقوة والصلابة، مما انعكس على ارتفاع إنتاجية المحصول كما وضحته الأشكال السابقة.
واشتملت الخطة على تعزيز والنهوض بصناعات الغزل والنسيج المحلية. وبحسب معهد القطن المصري التابع لمركز البحوث الزراعية، أُدخلت تعديلات على التركيبة الوراثية لبذرة القطن ضمن خطة للتوسع في زراعته على مدار السنوات القادمة، والتي على إثرها أُنتجت سلالة حديثة من القطن، بجانب إنتاج التقاوي المسجلة للحفاظ على القطن المصري، فضلًا عن ميكنة منظومة تجارة الأقطان لتحسين الأداء.
وبالنسبة لدعم المزارعين: فقد عملت مصر على تعزيز دعم المزارعين من خلال توفير القروض الميسرة لهم. وكذلك تضمنت خطة الدولة لدعم المزارعين بالموازنة الجديدة 2022/2023 من خلال عدد من البرامج التي ستعود بالنفع على المزارع بشكل مباشر بوصفها ستسهم في زيادة المساحة المزروعة والإنتاجية، فضلًا عن خطط لمشاريع زراعية ستوفر فرص عمل بشكل أوسع. وأسهم اهتمام مصر بالقطاع الزراعي ودعم المزارعين في زيادة عائدات مصر من صادرات القطاع بنسبة 1500% منذ أواخر التسعينيات وحتى الآن بحسب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وفيما يخص بصناعة الغزل والنسيج: قامت مصر بإدخال التكنولوجيا الحديثة في صناعة الغزل والنسيج لتواكب المواصفات العالمية، وأنشئت مجمعات صناعية متكاملة (المجمع الصناعي الأول بغزل المحلة، 4 مصانع جديدة في شركة دمياط، ومجمعات صناعية في محافظة البحيرة)، لتشمل جميع حلقــات الصناعة وإيجاد قاعدة قويــة للصناعات المغذية للقطاع.
وبحسب وزارة التجارة والصناعة فقد جلبت مصر أحــدث الماكينات والمعدات من كبرى الشركات العالمية وتطوير البنية التحتية للمصانع، وتم توفير تدريب وتأهيل للعمال، ورفع كفاءة الماكينات القديمة، بجانب تطوير المغازل، وتحسين أساليب البيع والتسويق، وتقوم مصر كذلك بجهود لإنشاء أكبر مصنع للغزل على مستوى العالم بمدينة المحلة والمزمع افتتاحه في عام 2023 وبمساحة 62 ألف متر مربع.
وبحسب خريطة مشروعات مصر، تعمل الدولة من خلال مشاريع تطوير شركات الغزل والنسيج والملابس على زيادة الطاقة الإنتاجية للمحالج لنحو 4 ملايين قنطار قطن سنويًا بدلًا من 1.5 مليون قنطار هي الطاقة الإنتاجية الحالية. وفي مصانع الغزل، تستهدف الطاقة الإنتاجية 188 ألف طن سنويًا بدلًا من 37 ألف طن سنويًا يتم إنتاجها حاليًا. وبالنسبة لمصانع النسيج، فإنه من المستهدف أن تنتج 198 مليون متر سنويًا مقارنة بـ 50 مليون متر سنويًا هي الطاقة الإنتاجية الحالية.
وتضمنت خطة تطوير القطاع دمج تسع شركات حليج وتجارة أقطان في شركة واحدة، ودمج 22 شركة غزل ونسيج وصباغة وتجهيز في ثماني شركات كبرى، وتحديد ثلاثة مراكز رئيسة متكاملة تضم كافة مراحل الصناعة، وثلاثة مراكز للتصدير، وتخصص الشركات الباقية في مرحلة تصنيع معينة (غزل، نسيج، صباغة وتجهيز) أو منتجات تستهدف فئة معينة.. وتم الانتهاء من 90% من أكبر مصنع غزل في العالم بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة، وتم توقيع عقود تدشين عدد من المصانع في منطقة البيضا بالبحيرة وفى دمياط، وتتضمن الخطة استغلال أرض شركة كفر الدوار في مشروعات إسكان اجتماعي ومتنوع، مع نقل المصانع بكفر الدوار لأرض شركة صباغي البيضا.
وبالتالي نجد أنه بتركيز الدول المصرية جهودها لتطوير قطاع الغزل والنسيج من خلال حصر المعوقات التي تواجه الصناعة ووضع استراتيجية لتطوير القطاع، بجانب الاهتمام بالمزارعين وتقديم الدعم لهم، فضلًا عن الاهتمام بزراعة القطن وإدخال التكنولوجيا والتحسينات ليكون على مستوى عالي من الجودة والتوسع في المساحات المزروعة والإنتاجية؛ سيسهم ذلك في تحسين مؤشرات القطاع وتوفير فرص عمل وبالتالي زيادة مساهمة صناعة الغزل والنسيج في الناتج المحلي الإجمالي وفي إجمالي الصناعة ككل، بالإضافة إلى دخول مصر بصادراتها من الغزل والنسيج كمنافس قوي في الأسواق العالمية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة