ذهب الرئيس جمال عبدالناصر إلى مطار القاهرة فى الساعة الثالثة والنصف من 28 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1970، ليودع أمير الكويت الشيخ صباح السالم، وكان آخر الملوك والرؤساء العرب المغادرين، بعد انتهاء مؤتمر القمة العربية الذى دعا إليه عبدالناصر يوم 21 سبتمبر 1970، لوقف نزيف الدم فى القتال الدائر بالأردن بين الجيش الأردنى وقوات المقاومة الفلسطينية، «راجع، ذات يوم، 27 سبتمبر 2020
يذكر عبدالمجيد فريد، أمين رئاسة الجمهورية، فى كتابه «من اجتماعات جمال عبدالناصر العربية والدولية، 1967، 1970»: «أثناء مراسم التوديع، شعر بدوخة مفاجئة مع عرق شديد وشعور عام بالهبوط وعدم القدرة مع السير، بل وعلى الوقوف على قدميه، ولكنه ضغط على نفسه، وأصر أن يبقى واقفا شامخا ممثلا لشعب مصر إلى أن تتحرك طائرة الضيف».
يضيف: فى تلك الفترة، كان عبدالناصر قد استهلك كل ما بقى لديه من قوة، وطلب من سكرتيره المرافق، فؤاد عبدالحى، أن يحضر السيارة، حينما يقف لكى يلقى بجسده المجهد على مقعدها، ثم وصل إلى منشية البكرى، حيث منزله وهو فى حالة إعياء وتعب شديد، فحضر إليه عدد من الأطباء.
يتذكر الصاوى حبيب، الطبيب الخاص لعبدالناصر فى مذكراته، أنه توجه إلى منزل الرئيس من وسط القاهرة فى نحو ثلث ساعة، ودخل إلى حجرة نومه، فوجده مستلقيا على السرير مرتديا بيجامته ورأسه مرتفع قليلا، وقال الرئيس له إنه شعر بتعب أثناء توديعه أمير الكويت فى المطار، وأحس بأن قدميه تكادا لا تقويان على حمله.
بدأ الدكتور الصاوى فحصه، وحسب قوله: «لاحظت وجود عرق بارد على جبهته، كما كان وجهه شاحبا بعض الشىء، وكان النبض سريعا خيطيا يكاد ألا يكون محسوسا، كما كان ضغط الدم بالغ الانخفاض وكانت أطرافه باردة، وأحسست فى الحال بخطورة الموقف، وتوجهت فورا إلى حجرة مكتبه الملحقة بغرفة النوم أطلب من السكرتارية استدعاء الدكتور منصور فايز «رئيس الفريق الطبى»، والدكتور زكى الرملى فورا، وأحضرت جهاز رسم القلب الموجود بصفة دائمة فى حجرة المكتب، حيث كان من المعتاد عمل رسم قلب له يوميا، منذ الجلطة السابقة فى سبتمبر 1969، بجانب الأدوية والأدوات والأكسجين المعد لحالات الطوارئ.
يؤكد الصاوى: شعرت بشىء من الخوف الغامض، وجدت نفسى أدعو له بالشفاء وقمت بعمل رسم القلب، وبدأت العلاج وحضر الدكتور منصور بعد ثلث الساعة، والدكتور زكى الرملى بعد نصف الساعة، وأكدا خطورة الحالة نتيجة وجود انسداد جديد فى الشريان التاجي، واستمر العلاج فترة من الوقت، ولكن لم يكن هناك تغيير فى رسم القلب، إلا أن بعض التحسن ظهر فى الكشف الإكلينيكى، وأخذ الدكتور منصور فايز يحادث الرئيس عن رغبته فى زيارة الجنود على الجبهة، وأخبره الرئيس بإمكانية التنسيق مع بعض الوزراء، الذين اتفقوا على التوجه لزيارة الجنود، وفى الوقت نفسه كان الدكتور زكى الرملى يراقب الموقف عن كثب ولم أكن أتابع الحديث، فقد كنت أفكر فى الوضع الصعب الذى نحن فيه.
اعتدل الرئيس قليلا ليفتح الراديو الموجود على الكومودينو بجوار السرير، وحسب الصاوى حبيب: قال إنه يرغب فى سماع خبر فى نشرة أخبار الخامسة، التى بدأت منذ قليل، ولم يذكر هذا الخبر ولم يعرفه أحد حتى الآن، وظل يصغى إلى نشرة الأخبار حتى انتهت، وطلبت منه ألا يتحرك وأن يستريح، وكان قد أغلق جهاز الراديو ورد قائلا: أنا استريحت يا صاوي، وفوجئت برأسه يميل إلى الجانب فجأة، وفى الحال تحسست النبض فوجدته توقف، فقمت بعمل تنفس صناعى وتدليك خارجى للقلب، واستمرت هذه المحاولات حوالى ثلث الساعة دون جدوي، ولم أجد فائدة من الاستمرار، لقد توفى الرئيس عبدالناصر بالصدمة القلبية، وهى من أخطر مضاعفات انسداد الشريان التاجى.
يعلق الصاوى: استراح جمال عبدالناصر كما جاء فى آخر عبارة قالها، استراح كما جاء فى دعاء«اللهم اجعل الموت راحة لنا من كل أمر»، ومضيت إلى آخر الحجرة وفى داخلى شعور بالحزن والمرارة، وعلى السلم الداخلى فى المنزل وجدتنى أقول لمن وجدته فى الخارج من أهل المنزل: خلاص مفيش فايدة.
يذكر «الصاوى» نمط الحياة التى عاشها عبدالناصر فى عامه الأخير وحتى وفاته وعمره 52 عاما: بانتهاء مؤتمر القمة العربية، كان قد مر عاما على الأزمة القلبية الأولى التى كان يتعين على عبدالناصر أن يغير نمط حياته بعدها، ولكنه بذل فى هذا العام مجهودا فوق الطاقة، فقد كان يعمل أكثر من 18 ساعة يوميا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة