محمد غنيم

أيام زمان "ما كانتش" عسل وسمن بالسكر

الإثنين، 16 يناير 2023 12:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ما من جملة تتقطر منها العذوبة وتفوح بأريج الحنين إلا وقد احتضنت كلماتها، عبارات "الزمن الجميل وأيام زمان".. أعلم أن ذهنك يسبح فى فضاء تاريخ طفولتك وصباك مرورا بأشخاص عاشوا بداخلك وعادات وتقاليد معجونة بتفاصيل حياتك، فلا أحد على وجه الأرض يستطيع أن يقتحم تاريخك الشخصي، ولكننى ألومك على الإساءة لتجاهل جماليات العصر الحالى، فلكل فترة زمنية نعيشها، قوانينها الحياتية التى تفرض سيطرتها عليها، فمثلما تذكرت أيامك الخوالى ولعب الكرة الشراب والوقفة على ناصية زمان وبنت الجيران، مقارنة بالضجيج والتكتولوجيا والتطور والزحام والأحداث المتوالية للتطوير من ماسنجر وفيس وتويتر وواتس وسناب شات كمان، التى تمثل فى تاريخك الشخصى عصر السرعة، هى بمثابة جماليات يعيشها ويتعايش معها أولادك وأحفادك، سيتذكرونها فيما بعد بأنها أيام الزمن الجميل، الذى عاشوه وتعايشوا معه حتى وإن كان زمن تراه أنت بعين المجهر عصر صاخب.

عصرنا الحالى ليس مليئا بالأشواك وطرقه ليست متعرجة مملوءة بالحجارة، وأن الماضى فى مخيلتك كان كله عسلا وسمن بلدى بالسكر، وأنه يلزمنا الترحم عليه كل صباح، واللعان والسباب على الأيام الحالية صباحا ومساء.

دعنا نترك النظرة التشاؤمية للمستقبل، دون الخضوع لسطوة الحنين المضلل أحيانا، فلكل عصر قوانينه الحياتية، وكما قيل فى المثل "لكل وقت أدان"، فالإنسان واعى الذهن متقد الفكر هو الذى يعيش فى صراع مع العادات والتقاليد السائدة، والانتصار على الملوث منها، هو الذى يدفعك كمفكر أن تنال حرية الإبداع فى نظرة الواقع دون العرقلة فى شباك الماضي.

عالجت الدراما قضية الزمن بأفلام جسدت الواقع، وصنفناه نحن كمشاهدين ماضيا وزمنا جميلا كما نزعم، وهو فى الحقيقة تجسيد لفترة زمنية ما، فقد لفت انتباهى عند قراءتى لكتاب "دليل الأفلام فى القرن العشرين" للناقد محمود قاسم أن الرقابة عام 1933 قد منعت فيلم "الخطيب نمرة 13" من العرض بسبب احتوائه على بعض المشاهد التى تجسد حياة المهمشين ومنازلهم الفقيرة مثل ظهور الحلة والقلة والطبلية والبابور أبو شرايط، فهنا كانت عين الناقد ومقص الرقيب لصالح التطور والرقى التى تسعى له مصر فى ذلك الحقبة دون النيل من حياة الفقراء والمهمشين، بل خطوات المجتمع المصرى نحو التقدم فى ذلك الوقت كانت تتسارع نحو اللحاق بركب الرفاهية على مستوى العالم، بأن تظهر السينما قصور الأثرياء، والموائد العامرة بالطعام الشهى، وإتيكيت السفرة من شوكة وسكينة وفوطة، وإتقان طاقم العمل التعامل مع تلك الأدوات بجدارة.

فحين قدم المخرج محمد بيومى فيلمه الخطيب رقم 13 رفضته الرقابة على الفور، لكون أبطال العمل يتناولون الملوخلية وهم ملتفون حول الطبلية التى تعلوها الحلة الألومنيوم، فكان هذا هو المبرر حتى وإن كان هو الفيلم رقم 25 من حصيلة الإنتاج السينمائى فى مصر.

أعلم أنك اندهشت من هذا الموقف المجسد للمشهد وأنت تلوى شفتيك أو تطقطق أصابع يدك، فماذا لو عرفت عزيزى القارئ أن عام 1939 اعترضت الرقابة أيضا على فيلم بديع لمجرد أن اسمه "الحارة"، فكانت الحارة فى ذلك الوقت هى المكان العشوائى الموبوء المكتظ بالفقراء والمساكين، فظهوره فى السينما بمثابة تشريح الواقع أو كشف جسد الماضى وإظهار عوراته، فى حين كانت السينما عنوانا للرقى والتقدم، فتم تغيره على الفور إلى "العزيمة" بطولة أنور وجدى وحسين صدقي.

تطور المجتمع وتحديد مساره والنظرة للمستقبل بعين الأمل أهم بكثير من الإتكاء على أريكة الماضى، حتى وإن كانت فى حديقة مشمسة مزهرة مفعمة بالورد، وإن جاز القول فهى أقرب بأمية مخيفة لمجتمعات معتمدة على الماضي، فنظرتك بتأمل للحاضر كفيلة أن تفجر طاقتك للخروج من كهف الإخفاق لسفح النهضة على قمة هرم النجاح.

 









الموضوعات المتعلقة

ممكن ترسمنى؟

الثلاثاء، 10 يناير 2023 03:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة