الرحلة فن من الفنون الأدبية حظي بالشهرة وكتب فيه أدباء الأمم وعلماؤها في التاريخ القديم والحديث تصانيف كثيرة نالت القبول من لدن القراء ومتذوقي الأدب ومحبي الوصف وذاعت بينهم لما تصوره من أحوال الرحالين وأحوال البلدان التي زاروها ولما تجسمه من مشاهد الطبيعة من جبال ووهاد ونجاد وسهول وبحار وصحاري وأنواء ومظاهر عمران وتجليات الحضارات وأيضا لما تجلوه من أوصاف الناس وثقافاتهم، وفى كتاب شوشا جوهرة أذربيجان الصادر حديثا يروي لنا الكاتب الدكتور معتز محي عبد الحميد فصولًا من عَبَق تاريخ مدينة شوشا الأذربيجانية، ومجدها التالد الذي زُيِّنت به صفحات التاريخ، حيث كانت فيه قِبلة الجمال التي يحج إليها فؤاد المحبين؛ وذلك لما اتسمت به هذه المدينة من طبيعة ساحرة، وجمال عمراني، وثراءٍ شعري صوَّر آيات حسنها عَبْر ألفاظ من غزل الكلمات.
كما يتحدَّث الكاتب في هذا المؤلَّف عن الأهمية التاريخية والعمرانية والفنية التي لعبتها شوشا قبل وبعد التحرير على مدار تاريخ التجارة القائمة بين الشرق والغرب، وما أُثِرَ عن أهلها من عادات وتقاليد وفنون أضحت فيها شوشا جوهرة اذربيجان جوهر الجمال المكنون، فهو كتاب جامع لكل صنوف جمال شوشا تاريخيًّا، واجتماعيًّا، وطبوغرافيًّا، ومن خلال صفحات الكتاب ايضا نتعرف على أذربيجان ومدينة شوشا التي زارها مرتين وتجربته بهذا البلد الجميل بمعالمه السياحية وأماكنه العابقة بالتاريخ، الزاخرة بالتراث والأصالة، مستعرضا الحياة الاجتماعية والعادات والتقاليد فيها، وعلاقات الأسرة الواحدة مع بعضها البعض ومدى قوة الارتباط التي تجمع الأسرة بالأقارب والجيران والزائرين .
كما ينقلنا الكتاب للتعرف على أسماء الشوارع وأهم المساجد والينابيع وتاريخها ثم ننتقل معا من الفرح إلى الوجع، حيث الحرب التي اندلعت بين أذربيجان وأرمينيا.
جدير بالذكر أن الباحث الدكتور معتز محي عبد الحميد كان حريصا في كتابة على التمييز بين سياحته ورحلات الآخرين، وهو ما يتبدى في قوله: "لا بد هنا من التنويه بأنني لست رحالة سافرت بغرض التجول وتسجيل العادات والتقاليد أو وصف الطبيعة والتلذذ بالهواء الطلق وبرمال الصحراء الذهبية! ولكنني كتبت عن هذه المدينة بعيون مفتوحة ومشاعر ودية ونظرة موضوعية وأحيانا نقدية".