رسالة "متجددة"، أعلنت عنها زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى كاتدرائية "ميلاد المسيح"، بالعاصمة الإدارية الجديدة، لتهنئة المصريين بعيد الميلاد المجيد، لتمثل "لبنة" جديدة لتعزيز مبدأ المواطنة، والذي شهد تحولات كبرى منذ انطلاق "الجمهورية الجديدة" في عام 2014، حيث بات يتسم بـ"الحيوية"، بعدما كان مجرد "حبر على ورق"، وهو ما يبدو في العديد من المواقف التي تبنتها الدولة المصرية، في إطار رؤيتها القائمة على تحقيق المساواة بين كافة مواطنيها، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون، منذ خطاب "الخلاص" في 3 يوليو، والذي شارك فيه الأزهر الشريف والكنيسة القبطية، مرورا بالرد الفورى على استشهاد المصريين الأقباط في ليبيا، وحتى افتتاح الكاتدرائية العملاقة، والتي تعد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، جنبا إلى جنب مع افتتاح مسجد "الفتاح العليم"، في عام 2019.
وبين المواقف السابقة، يبدو حرص رئيس الدولة على زيارة الكاتدرائية، للتهنئة بعيد الميلاد، والتي باتت "عرفا" سنويا، بمثابة رسالة "متجددة"، لتعزيز قيمة المواطنة والمساواة، لتتحول تلك الزيارة إلى فرصة سنوية، ليس فقط لترسيخ الصورة سالفة الذكر، وإنما لإطلاق رسائل "جديدة" لمصر والعالم، ربما تدور في جوهرها حول "قوة" الدولة، ووحدتها من جانب، بالإضافة إلى كونها رسالة سلام، تبدو متوافقة مع ميلاد السيد المسيح، والذي تلقبه الكنيسة بـ"ملك السلام".
وبين قوة الدولة، ورسالة السلام، التي تقدمها للعالم، في ذكرى ميلاد السيد المسيح، نجد أن ثمة ارتباطا عميقا، يبدو واضحا في كلمات الرئيس السيسي، في تهنئته للأقباط، في كل عام، والتي ترتبط دائما بما يشغل بال المصريين من قضايا، وهو ما يبدو في دعوته الأخيرة للمواطنين بالاطمئنان، في ظل حالة من القلق تنتاب القطاع الأعم من الشعب المصري، جراء الأوضاع العالمية، وما يتخللها من أزمات، تحمل تداعيات كبيرة على حياتهم، ربما نالت بصورة أكبر من حياة شعوب أخرى، في دول تمتلك من الإمكانات ما كان يؤهلها لتجاوز أزمات الماضي، وهو ما يبرر المخاوف السائدة إلى حد كبير، لتصبح كلمات رأس الدولة، انعكاسا لتقديره لتلك المشاعر الطبيعية، بينما تأكيدا على قدرة الدولة على تجاوزها، في إطار قوتها وقدرتها على حماية مواطنيها من كافة المخاطر التي تهددهم.
تلك الحالة، التي تمتزج فيها القوة والقدرة، مع رسائل السلام والطمأنينة، ربما عبرت عنها كلمات الرئيس السيسي، من قلب كاتدرائية "ميلاد المسيح" في العام الماضي عندما وصف "الجمهورية الجديدة"، بـ"القادرة وليست الغاشمة.. المسالمة وليست المستسلمة"، لتصبح رسالته للمصريين، في هذا العام "تجديدا"، لتلك الرؤية، بينما يبقى الجانب الجديد منها متمثلا في تلامسه مع المستجدات التي طرأت على حياة المصريين، جراء الأزمات العالمية وتفاقمها.
بينما لم تخل كلمات الرئيس، من رسائل أخرى للعالم، وإن كانت قصيرة، لكنها تحمل مضمونا عميقا، أبرزها دعوته للسلام، ليس لمصر وحدها، بل للعالم كله، وتأكيده على أن استمرار الحرب القائمة، سيحمل تداعيات أكبر، وهو ما يمثل امتدادا للرؤية التي تتبناها الدولة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، سواء في موقفها المحايد، تجاه طرفي الصراع، أو دعواتها المتواترة لإنهائه، وهو ما عبر عنه الرئيس خلال قمة المناخ الأخيرة في مدينة شرم الشيخ.
وبعيدا عن الكلمات، تبدو الزيارة نفسها والاستقبال الكبير للرئيس داخل الكاتدرائية، بمثابة رسالة أخرى، ربما تكون "صامتة"، ولكنها مملؤة بالحيوية، مفادها أن سر قوة الدولة المصرية، يكمن في وحدة مواطنيها، بعدما كانت المسألة الطائفية أحد النقاط "الرخوة"، التي طالما استخدمتها القوى الكبرى للتدخل في الشأن الداخلى، وهو ما يمثل جانبا أخر "متجددا"، في إطار علاقة مصر بمحيطها الدولي، والقائم على عدم السماح بالمساس بشؤونها، ونجاحها في تجاوز تلك النقطة بعد سنوات من المؤامرات التي سعت إلى استهداف وحدة الصف المصري، بين المسلمين والأقباط، بهدف إضعاف الدولة، وتقويضها، في إطار مخطط دولي لتقسيمها، ربما ظهر بجلاء في العقد الماضي.
وهنا يمكننا القول بأن زيارة الرئيس للكاتدرائية، باتت تتجاوز مجرد التهنئة بالعيد، وإنما تمثل امتدادا لاعتمادها الكبير على قوتها "الناعمة"، لترسيخ رؤيتها في الداخل والخارج، وهو النهج الذي شهد تطورا كبيرا في السنوات الماضية، عبر تنويع مناصتها، لتكون بمثابة إلهاما للعالم في مختلف القضايا، بين السياسة والاقتصاد والمجتمع، وهو ما يضفي مصداقية أكبر للرؤى التي تقدمها الدولة في مختلف المجالات محليا ودوليا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة