أدرج الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، اسم الضابط السياسى عبد الرحمن فهمى، ضمن مشروع حكاية شارع، بمنطقة جاردن سيتى، لتعريف المارة بكل التفاصيل عنه وعن اسمه، وذلك تخليدًا لذكراه بين الأجيال.
ولد عبد الرحمن فهمى فى عام 1870، ويرجع أصله إلى الطبقة التركية التى حكمت مصر خلال القرن التاسع عشر بل وقبله، وتخرج عبد الرحمن فهمى فى المدرسة الحربية فى عام 1888، وشارك فى الحملة التى استردت دنقلة، وقد أثر هذا التعليم العسكرى فيه، وأعطاه هذا النوع من التعليم صرامة وشدة من ناحية، وساعده فى نجاحه فى عمله العام بعد ذلك من ناحية أخرى.
حكاية شارع عبد الرحمن فهمى بك
وعاصر خمس من حكام مصر من أسرة محمد علي، وهم: "توفيق، وعباس حلمى الثاني، والسلطان حسين كامل، والملك فؤاد الأول، وأخيرًا الملك فاروق".
ليس من المعروف على وجه التحديد بداية الصلة بين عبد الرحمن فهمى وسعد زغلول، ولكن كان عبد الرحمن فهمى موجودًا عند تأليف الوفد على نحو يستكمل تمثيله لطبقات الأمة واتجاهاتها، ولعب دورًا مهمً فى حركة جمع التوكيلات عن الأمة لأعضاء الوفد، عندما أنكر الإنجليز على سعد زغلول وصحبه مطالبتهم باستقلال مصر.
كان لاعتقال سعد زغلول وصحبه فى 8 مارس 1919، أثره فى اشتعال الثورة فى اليوم التالى 9 مارس 1919، وهنا يأتى الدور العملاق الذى قام به عبد الرحمن فهمي، حيث كان أعضاء الوفد قد شكلوا لجنة مركزية للوفد طبقًا للمادة 26 من قانون الوفد، ويكون عملها الرئيسى جمع التبرعات لتغطية احتياجات الوفد فى باريس، ولجمع المعلومات عن الموقف فى مصر وإرسالها إلى الوفد فى باريس ليستخدمها فى الدعاية للقضية المصرية فى دوائر المعارف والأوساط العلمية والصحفية والسياسية، وكان رئيس هذه اللجنة محمود سليمان باشا، وهو والد محمد محمود باشا، عضو الوفد والسياسى المعروف، وكان إبراهيم سعيد باشا وكيلها وأمين صندوقها، وعبد الرحمن فهمى سكرتيرها العام.
ولعب عبد الرحمن فهمى دورًا مهمًا من خلال عمله سكرتيرًا للجنة، وكذلك فى اللجان الفرعية التى انبثقت عنها فى الأقاليم، وكان نشاط اللجنة المركزية للوفد ينقسم إلى قسمين أحدهما علنى والآخر سري، أما العلنى فكان يمارسه محمود باشا سليمان رئيس اللجنة وأعضاؤها، أما السرى فكان يرأسه عبد الرحمن فهمي، حيث شكل تنظيمًا سريًا لاغتيال الوزراء المهادنين للإنجليز، وأيضًا الإنجليز المقيمين فى مصر، لدرجة أنه حتى بعد اعتقال عبد الرحمن فهمي، قال حكمدار بوليس القاهرة الإنجليزى ما نصه "إننى لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية السيطرة على الجرائم السياسية فى هذه المدينة طالما أن محبوسًا ومجرمًا سياسيًا مثل عبد الرحمن فهمى لديه من الحرية ما يمكنه من أن يرتكب من الجرائم ما يشاء من داخل أسوار السجن الحصينة"، وقد خرج عبد الرحمن فهمى من السجن مريضًا ضعيفًا، لكنه ما لبث أن استرد صحته وعاد إلى نشاطه العام.
أوفدت إنجلترا لجنة ملنر إلى مصر لتقصى أسباب الثورة، وكانت تهدف إلى ضرب الوحدة الوطنية، ولما فشلت لجنة ملنر، عمد اللورد اللنبى إلى تكليف "يوسف وهبة باشا" بتأليف الوزارة فى تلك اللحظات الحرجة التى أجمعت الأمة برأيها على مقاطعة لجنة ملنر، وكان الإنجليز قد اعتقلوا محمود سليمان باشا رئيس اللجنة المركزية، فجمع عبد الرحمن فهمى اللجنة المركزية على الفور، وعين مرقس حنا عضو اللجنة وكيلاً لها ورئيسًا لها بالنيابة، والكثر من ذلك أن فهمى اتخذ الكنيسة المرقسية مركزًا من مراكز الثورة، ومن المعروف أن الشيخ القاياتى خطب فى الكنيسة والقمص سرجيوس ارتقى منبر الأزهر، وكان هذا أروع مثال للوحدة الوطنية المصرية.
كانت المراسلات يرسلها الوفد فى باريس فى المجلات العلمية التى يرسلونها للجامعة المصرية آنذاك بين السطور وتكتب بالحبر السرى “ماء البصل”، ويرسل عبد الرحمن فهمى أخبار مصر والثورة إلى سعد زغلول بذات الطريقة، وقد نشرت هذه المراسلات فى مذكرات عبد الرحمن فهمى مؤخرًا.
كان للطلبة دورًا كبيرًا فى الثورة، فالطلبة هم أول من فجروا الثورة فى مارس 1919، وكان عبد الرحمن فهمى على اتصال بالطلبة وتنظيماتهم، ولم يقتصر دور الطلبة فى الثورة على دور الجامعة، بل امتدت للطلبة فى الأزهر كذلك، . وذكر ذلك عبد الرحمن فهمى فى مذكراته.
فى عام 1924 دخل عبد الرحمن فهمى أول مجلس للنواب انتخب وفقًا لدستور 1923 عن دائرة عابدين، وكان من أبرز نشاطاته ذلك العام تشكيل الاتحاد العام لنقابات وادى النيل.
فى مارس 1924 تم تحرير شهادة ميلاد الاتحاد العام لنقابات عمال وادى النيل، وكان فهمى رئيسًا لهذا الاتحاد، وكان يسمى زعيم العمال، وكانت حركة العمال قد نشطت إبان ثورة 1919، وكان فهمى أحد الذين جذبوا الحركة العمالية إلى قيادة الوفد البرجوازية، فأصبحت الحركة العمالية من منابع القوى فى تنظيمات عبد الرحمن فهمى الثورية.
واستقال فهمى من الاتحاد بسبب أحواله الصحية عقب خروجه من الاعتقال، حيث كان قد اعتقل على إثر مقتل السردار السير لى ستاك، سردار الجيش المصرى فى السودان.
كان فهمى قد أفرغ طاقاته الثورية فى ثورة 1919، فلما انتهت الثورة، أو انتقلت إلى مرحلة الكفاح الدستوري، عجزت قدراته السياسية عن التلاؤم، فاختفى، ولذلك لم يكن غريبًا أن يعود إلى المعركة السياسية مرة أخرى حينما كانت مصر على وشك ثورة أخرى عام 1936.
وعلى أية حال، بعد فترة طويلة من العمل الثورى والعمل العام، توفى عبد الرحمن فهمى بعدما سطر بحروف من نور دورًا رائعًا فى الحركة الوطنية، وتوفى عام 1946.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة