استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة، وحرب الإبادة والتجويع ضد الفلسطينيين، يمثلان سقوطا أخلاقيا وإنسانيا للولايات المتحدة والنظام الدولى، ويسقطان كل ادعاءات الدفاع عن حقوق الإنسان، وهم يشاركون فى الفرجة على هذه الحرب التى تتم بدعم أمريكى وتواطؤ أوروبى، حيث تصب الضربات والتحركات الأمريكية والأوروبية لصالح الاحتلال، ولم تُخفِ قوات الاحتلال نيتها لإبادة الفلسطينيين فى غزة، خاصة أن أغلب الضحايا من المدنيين، وبالأخص الأطفال والنساء، والشيوخ.
وهناك اعترافات واضحة وصريحة حول خطط الاحتلال لتنفيذ إبادة جماعية كاملة ضد أهالى قطاع غزة، المحاصر، وسط دعم من الولايات المتحدة التى حرض مسؤولوها على تبرير المخطط الإسرائيلى، وقال جون كيربى، المتحدث باسم البيت الأبيض لشؤون الأمن القومى، أمس الأول الجمعة «نفهم ما يحاولون القيام به ولماذا يحاولون القيام بذلك، إنها محاولة لعزل السكان المدنيين عن حماس التى هى هدفهم الحقيقى»، وحاول البحث عن تبرير للاحتلال فى حرب الإبادة التى يشنها، فقط اعتبر «دعوة إسرائيل لتحرك ما يربو على مليون مدنى فى شمال قطاع غزة خلال 24 ساعة ستكون «أمرا صعبا، لأنه يعنى انتقال عدد كبير من الأفراد فى فترة زمنية قصيرة جدا»، بينما اكتفى جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، بوصف دعوة إسرائيل بأنها «غير واقعية».
وقال الكاتب الأمريكى جيفرى إس تى كلير: «عندما يعلن الاحتلال حربا شاملة ضد غزة التى ترزح تحت حصار منذ عام 1967، فإنهم يقصدون بذلك حرب إبادة للمدنيين، غزة لا تملك جيوشا ولا طائرات أو دبابات أو أقمارا صناعية»، وتساءل فى مقال نشر فى موقع كاونتر بانش: «كيف تكون حربا بالمعنى التقليدى للكلمة». وتحدث «كلير» عن تجاهل بايدن والمسؤولين الأمريكيين ووسائل الإعلام، المقصود والمدبر، لضحايا العدوان الإسرائيلى على غزة، وكأنما القصف الإسرائيلى يجرى على أرض خاوية لا سكان فيها، وكأن الضحايا من أهالى غزة من أطفال وشيوخ ونساء لا وجود لهم أو أنهم لا يستحقون الذكر، وهذا التوجه بات واضحا للغاية فى التغطية الإعلامية الأمريكية لما يجرى.
الشاهد أن هناك تواطؤا دوليا يتطلب ما دعت إليه مصر من موقف واضح وحاسم ضد مخططات إسرائيل، رفض أى تحركات تحاول اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، أو تصفية القضية الفلسطينية، وهو أمر رفضه الفلسطينيون على مدار عقود، وكانت الدولة المصرية هى الأكثر إدراكا لخطورة هذا الطرح، وأن مصر لن تسمح بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى، وأن «لا تهاون أو تفريط فى أمن مصر القومى تحت أى ظرف، وأن الشعب المصرى يجب أن يكون واعيا بتعقيدات الموقف ومدركا لحجم التهديد»، وسبق وأعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، أنه لا يمكن أن تُحل مشكلات المنطقة من دون حل الدولتين، ولا يمكن تجاهل الحق الفلسطينى، وأن السلام هو الحل الأقرب الذى تفرضه تحولات استراتيجية، تكشف عن فشل الاحتلال فى فرض أمر واقع.
فى الحل العاجل، وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى باستمرار الدفع بالمساعدات، وتم توجيه أكبر قافلة مساعدات إنسانية وطبية وأطباء، ونفذ التحالف الوطنى للعمل الأهلى، والهلال الأحمر المصرى، حملات للتبرع بالدعم للفلسطينيين، ووجه التحالف قوافل مساعدات تم توجيهها الى غزة، وأعلنت مصر فتح مطار العريش لاستقبال المساعدات القادمة من الدول العربية، والتى تريد إيصال المساعدات لأهالى قطاع غزة المحاصر، وبالفعل استقبل المساعدات وتم نقلها، وهو تنفيذ للدور المصرى الرافض لقتل المدنيين وإبادة غزة، ومواجهة محاولات منع وصول المساعدات من قبل العدوان، أو تصفية القضية، واعتبرت مصر استقبال الأشقاء أمرا لا نقاش فيه، لكن تصفية القضية هو الخطر الذى يرفضه الفلسطينيون، وترفضه مصر، والعرب جميعا.
من هنا، فإن موقف الدولة المصرية واضح فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، مصر فى كل مرة - من البداية - تطرح وجهة نظرها لوقف العدوان وتقديم المساعدات، مع التأكيد على «حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطينى، وإقامة دولته المستقلة، وفق المرجعيات الدولية»، ولا سلام دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
هناك فرصة لموقف عربى يمكنه موازنة ومواجهة التواطؤ الأمريكى والأوربى، ومع الموقف العربى، يفترض أن تنتهز التيارات والفصائل الفلسطينية الفرصة للتوحد وإنهاء انقسام طال، ويضع القضية فى مهب الخلافات.