رغم مرور نحو أكثر من أسبوع على الحرب الذى شنها العدوان الإسرائيلى الغاشم على غزة إلا أن إسرائيل لم تستطع بعد استعادة الردع، خاصة مع احتفاظ الفصائل الفلسطينية، بقدرتها على الهجوم على نحو مباغت على أهداف فى العمق الإسرائيلى، وكذلك، التعامل بندية مع إسرائيل من حيث توجيه رسائل تهديد عالية المصداقية، بحسب دراسة نشرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
ووفقا للدراسة، التى جاءت تحت عنوان "الحرب فى غزة وانعكاساتها الاستراتيجية على القصية الفلسطينية"، فإن توقيت المعركة التى جاءت تزامنًا مع مرور 50 عاماً على نصر أكتوبر 73، نقطة سوداء أخرى فى تاريخ إسرائيل، والأداء العملياتى المتطور للمقاومة، والذى وُصف بأنه "نوعى، واستراتيجى، وغير مسبوق"، بالإضافة إلى جهوزية المقاومة عسكريًا، وما أدخلته من تكتيكات مستجدة فى إدارة المعركة.
ووفقا للدراسة، فإن المقاومة حرصت مع كل جولة صراع تخوضها مع إسرائيل على تحديث ترسانتها من الأسلحة والصواريخ.. وفى معركة طوفان الأقصى، أدخلت صاروخ "رجوم"، للمرة الأولى، وصواريخ محلية الصنع من منظومة الدفاع الجوى، فهناك حالة من توازن الرعب استطاعت الفصائل إحداثها، مع تعدد وتنوع بنك الأهداف، وتوسيع المسرح العملياتى لصواريخها، التى شملت تل أبيب، والقدس، والأهم حيفا التى تبعد عن غزة بنحو 150 كيلومترا.
كما كشف أداء المقاومة عن فشل استخباراتى إسرائيلى كبير حينما تمكن المقاتلون من تخطى أنظمة الإنذار الإلكترونية الحدودية، والعدد الكبير من كاميرات وأجهزة الاستشعار، وقاموا بعمل أكثر من 10 فتحات عبر الجدار الذى انتهى الجيش الإسرائيلى من بناءه بطول 65 كيلو متر حول قطاع غزة، فى نهاية عام 2021.
وعلى المستوى الاستراتيجى، حرصت المقاومة على ترسيخ قواعد اشتباك جديدة من خلال عدم الاكتفاء بشن طلعات جوية وصاروخية وضربات مكثفة على مدن إسرائيلية مثلما حدث فى 2021، بل الجديد هو نقل المعركة إلى داخل الأراضى الإسرائيلية المحتلة عام 48، فى مستوطنات غلاف غزة.
كما حرصت المقاومون على أسر العديد من الرهائن بالإضافة إلى تصوير الهجوم بكاميرات متقدمة، وبثها إعلاميًا، كإحدى أدوات الحرب النفسية ضد إسرائيل.
ومن بين التكتيكات الأخرى التى اتبعتها الفصائل إرباك القبة الحديدة، من خلال إطلاق عدد ضخم من الصواريخ على نحو متزامن يفوق قدرة منظومة القبة الحديدية على الصد، وقد تسبب ذلك فى إحداث ما يُسمى بـ"التشبّع" حينما أطلقت المقاومة 5000 صاروخ فى الـ 24 ساعة الأولى من الهجوم، فى حين كان الرشقة الواحدة بين 100 إلى 150 صاروخًا.
حدوث قصور فى التقديرات الإسرائيلية منبعه الغطرسة الإسرائيلية بأن لديها جيش لا يهزم، واستبعاد المؤشرات التى كانت ترى احتمال تفجر الأوضاع؛ ردًا على سياسات الحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
وبشأن التهديد باجتياح قطاع غزة بريًا، فبحسب الدراسة فإنه خيارًا مرتفع المخاطر. حيث تمتلك الفصائل صواريخ "كورنيت" المضادة للدبابات، وهى ذات قدرة تدميرية للآليات المدرعة بما فيها دبابة "الميركافا"، والتى تعتمد عليها إسرائيل فى هجماتها البرية. كما سبق وأخفق الجيش الإسرائيلى فى التوغل البرى فى غزة فى حرب الجرف الصامت عام 2014. بالإضافة إلى أن وجود متسللين داخل منطقة غلاف غزة، سوف يرفع من كلفة تقدم القوات الإسرائيلية نحو القطاع بريًا.
ووفقا للدراسة يمكن أن تتسبب تلك العملية فى إلحاق خسائر كبيرة فى صفوف الجيش الإسرائيلى، خاصة وأنها يمكن أن تمتد زمنيًا فى حال صمود المقاومين، وما قد يتبعها من حرب شوارع، خاصة مع أهمية أنفاق غزة، والتى يمكن أن تُستخدم من قبل المقاومين لشن هجمات مباغتة على القوات الإسرائيلية فى حال غزو القطاع.
كما أنه من غير المستبعد أن تصبح ورقة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل عاملًا رادعًا لقرار اجتياح القطاع؛ خشية على أرواح الأسرى؛ حيث تشير التقديرات الإسرائيلية إلى وجود حوالى 150 أسيرًا إسرائيليًا فى القطاع من بينهم جنود وضباط.
أما عن التداعيات، فإن المقاومة تسعى نحو ترسيخ قواعد اشتباك جديدة.. نقل المعارك والاشتباك إلى الأراضى الإسرائيلية، بل وإمكانية تحرير المستوطنات وأسر رهائن باعتبارها رسالة بأن إسرائيل لم تعد أرضًا آمنة.
كما أن المعركة ساهمت فى تركيز الأنظار على القضية الفلسطينية وهزت صورة إسرائيل بأنها غير قادرة على حماية أمنها، وتحصين جبهتها الداخلية. ويعد ذلك التقدير بمثابة حافز لإسرائيل نحو الانتقام من غزة والفصائل. وبالتالى فإن ما يهم إسرائيل فى اللحظة الراهنة هو كيفية إعادة "الردع" المفقود واستعادة صورة "النصر" حتى وإن كلّفها ذلك كثيراً.