مناوراتٌ إسرائيلية حتى اللحظة الأخيرة. رغم حديث وزير الخارجية الأمريكى عن قرب دخول المساعدات، ونصائح سفارته لمواطنيها فى «غزّة» بالاقتراب من رفح، والإشارات المُتواترة منذ مساء الأحد على قرب افتتاح المعبر؛ بادر مكتب نتنياهو إلى نفى وقف إطلاق النار فى جنوب القطاع، أو التوصُّل لاتفاق هُدنة. ولا يبدو ذلك جديدًا على الأدوات الصهيونية المُعتادة فى الضغط والابتزاز، وفى تصعيد الأوضاع إلى مداها الأخير. يُشبه الأمرُ قصّة الحاخام مع اليهودى الذى ذهب شاكيًا من سوء معيشته، واختناق أسرته الكبيرة فى غرفةٍ ضيّقة، فطلب مُرشده الروحى المُضلِّل أن يشترى خنزيرًا، وعندما عاد بعد أسبوعٍ وقد صارت حاله أسوأ، نصحه بأن يبيع الخنزير؛ فتحسَّنت حياته واستشعر الراحة، رغم أنه فعليًّا عاد إلى نقطة الصفر، وإلى باقة الأزمات التى لم يكن راضيًا عنها ولا قابلًا لاستمرارها. الحكاية على بساطتها تحكم الذهنية الصهيونية؛ لا سيّما مع حكومة يمينيّة بظلالٍ توراتيّة واضحة، تُوقن أنها ذاهبةٌ إلى انفراجةٍ اضطرارية تفرضها التوازنات المُحيطة، واستحالة أن يُقبَل القضاء على مليونى أعزل جوعًا وتقتيلًا؛ لكنها تقبض حتى النفس الأخير على رغبةٍ شرسة فى أن تدفع المشهد إلى الحافة.. إعلامهم يقول كلامًا، ثم يُكذّبه رئيس حكومته؛ ثم يُعاد تأكيد المنفى؛ كأنها مفاوضةٌ بتوزيع الأدوار؛ لتخفيض طموحات الخصوم وتحصيل أكبر المكاسب.
حتى ظهيرة أمس الاثنين لم تتغيّر الأمور فى معبر رفح، ونفى مصدر مصرى ما ردَّدته وسائل إعلام إقليمية بشأن الوصول إلى اتفاق تهدئة، أو بدء تمرير المساعدات. ما تزال اللوثة الإسرائيلية تحكم أداء حكومة نتنياهو، وتتغطّى برداءٍ من الإسناد الغربى الذى يتناسى تُراث محفوظاته الإنسانية، ويُمعن فى إرخاء ثقله العسكرى والمعنوى على وحشيّة الاحتلال.. ورغم تعقُّد الأوضاع؛ فإنه يُمكن الحديث عن انفراجةٍ فى المدى القريب، وأن يشقّ صوت العقل طريقه إلى إجبار «تل أبيب» على كبح موجة الجنون؛ ليس لنزوعٍ منها إلى الإنسانية، بقدر ما هو اضطرار تُمليه التعقيدات. مثلما كانت عملية «طوفان الأقصى» مُفاجئةً فى الوقت والحجم والأثر؛ كانت ردود الفعل الإقليميّة جادّةً وثابتة؛ رغم شراسة الاندفاعة الغربية فى تأييد الاحتلال. يُمكن نسبة ذلك بوضوحٍ إلى صلابة الموقف المصرى منذ اللحظة الأولى: إدانة واضحة للعدوان على المدنيِّين، ثم رفضٌ حاسم لأطروحات التهجير، ورسائل بالغة الدقّة والصرامة من حفل الأكاديمية العسكرية، وإرساء مُعادلة لا تجعل المنفذ البرّى الآمن طريقًا فى اتجاهٍ واحد لحاملى جوازات السفر الأجنبية، وبعدها إعلان رؤية مُتكاملة للتهدئة من أرضيّةٍ إنسانية، رُكنها الثابت أنه لا سبيل سوى «حل الدولتين»، ثم تنظيم كل ذلك فى برنامجٍ رزين ومُنضبط، حمله «بلينكن» معه من القاهرة إلى تل أبيب.. المُعضلة أن الإدارة الأمريكية وضعت رقبتها على مذبح نتنياهو؛ حتى صار عسيرًا عليها أن تُلزمه بما يلزم؛ إلا أنّه فى آخر المطاف لن يجد مفرًّا من العودة عن حقل الألغام، خصوصًا ما يُهدّد بسدِّ أو تعطيل قنواتٍ حيويّة مع الإقليم والعالم.
قال الرئيس السيسى كل ما يجب أن يُقال، خلال استقباله الوزير الأمريكى بعد ظهر الأحد؛ بدءًا من أن الردَّ الإسرائيلى تجاوز الدفاع عن النفس إلى العقاب الجماعى، وصولاً إلى أنه لا بديل عن التسوية السياسية بصيغة «حلّ الدولتين»، وعرض بينهما أرقامًا لضحايا الصراع من الجانبين، يبدو فيها التفاوت واضحًا بنحو ثمانية أضعاف على حساب الفلسطينيين، كما شدَّد على الرفض الكامل للمساس بالمدنيين، ووجوب العمل بقوّةٍ وعزيمة لاحتواء الأزمة. تشخيص المسألة المُزمنة أنَّ تراكُم الغضب والكراهية طوال عقود يتأتّى من غياب أُفق السلام، وأن تخفيض التوتُّر وتيسير نفاذ المساعدات حاجةٌ مُلحّة لا تخضع للاعتبارات العسكرية المُنفلتة. بين رسائله المُهمّة جاء الجانب الشخصى بالغ التعبير، عن نشأته فى حىٍّ سكنى جنبًا إلى جنب مع اليهود، وأنهم لم يتعرّضوا لأىّ أذى، لا فى مصر ولا فى أى بلدٍ عربى؛ بل وقع ذلك فى أوروبا والغرب. وكان أهم ما طرحه فى اللقاء أن «السادات ورابين» قُتلا على أيدى المُتطرّفين؛ إذ لا تختلف الأُصوليّة اليهودية فى كراهيتها للتعايش عن أيّة أصوليّة عقائدية غيرها؛ ويقع التحدّى على عاتق الحكومات فى أن تفى بالتزاماتها كما ينبغى، وتُبرهن بجدّية على أنها لا تُشجّع التطرّف أو تستمرئ استهلاكه بشعبويّةٍ ورعونة.
استباقُ المُقابلة باجتماعٍ لمجلس الأمن القومى لم يكن عارضًا أو مُصادفةً عابرة؛ إنما كان مظروفًا جديدًا ضمن باقة الرسائل المُتبادلة بين المعنيِّين بالصراع الدائر. يكتسب الكلام أهميّته من المُتكلّم والسياق؛ والمعنى أن الدولة المصرية فى عُمق عقلها المُؤسّسى تقبض على ثوابت لا تقبل المساس أو التحوير.. مُخرجات المجلس بدأت بالتشديد على أن «أمن مصر القومى خطّ أحمر لا تهاون فى حمايته»، ثم أكَّدت تكثيف الاتصالات مع الشركاء والمُنظّمات الدولية؛ لخفض التصعيد وإيصال المساعدات، ودعت إلى قمّة إقليمية دوليّة تتناول تطوُّرات القضية، وختمت برفض سياسات التهجير ومُحاولات تصفية القضية على حساب دول الجوار. كان ذلك إخطارًا بعلم الوصول للبيت الأبيض، ولتل أبيب معه، بأن لدى القاهرة نطاقاتٍ مُسيّجةً لا يُمكن القفز عليها، مع جاهزيتها لكل الخيارات وفق تطوُّرات الموقف، وما يُبقِى الحدث تحت سقف الانفجار أن يُستعَاد الرُّشد، وتتدخَّل أدوات السياسة بدلاً عن آلة الحرب. الإمدادات الإنسانية ضرورةُ وجودٍ للغزّيين، والتهدئة ضمانةٌ تمنع اتّساع الصراع؛ أمَّا تبييض الأرض من سُكّانها فلا محلَّ له على الطاولة، وبطبيعة الحال لا مجال لإنفاذه بالعسكرة وغشومة السلاح.
المُشكلة أن التضارب يُهيمن على إسرائيل وحُلفائها. الجميع استثمروا فى إذكاء النار منذ اللحظة الأولى؛ ثم يقفون الآن عاجزين عن استكمال «الهولوكوست» المُقدّس، أو الرجوع من دون خسائر مادية ومعنوية. تصرّف «بايدن» بالتزامِ الصهيونى الأصيل كما يصف نفسه دائمًا، ودفع وجوه إدارته نحو التشدّد وارتداء سترات الحرب؛ ثم تكشَّف له أن «غزّة» لا تحتمل هذا الاستئساد المُفرط، وأن أجواء الشرق الأوسط مُرشّحة لاشتعالٍ واسع المدى لو أصرّوا على المواصلة بالإيقاع نفسه. فى حديثه لقناة CBS مساء الأحد، بدا مُتناقضًا إلى درجة مُلفتة؛ قال إن لإسرائيل أن تُدافع عن نفسها ومعها مظلَّة أمريكية لا تهتز، ثم عبّر عن أمانيه فى أن تتصرَّف بموجب قوانين الحرب، وقال إن عليها دخول القطاع ثم اعتبر أن الاحتلال سيكون خطأ كبيرًا. سُجِّل الحوار قبل يومين من إذاعته؛ ولو تغيّر الموقف لسحبوا موافقتهم على النشر، ما يعنى أن ارتباك رجل أمريكا الأول ما يزال قائمًا.. وكان «بلينكن» أكثر تناقضًا وكوميديّة، وهو يقول فى تل أبيب إنه يحلّ بصفته اليهودية وبذاكرةٍ عائلية مع محارق هتلر، ولا ينحرف عن إسناد الدولة العبرية فى الإجهاز على «حماس» وتدمير بنيتها العسكرية بالكامل، وبعدها عاد عن ذلك فى خمسة عواصم عربية، واعتمد خطابًا أقرب إلى السياسة، قبل أن يعود إلى لقاء نتنياهو وينزلق إلى اللغة الرمادية مُجدّدًا.
الأُمم المتحدة، على لسان أمينها العام جوتيريش، اعتبرت أنه لا يجب أن تكون المُساعدات والأسرى ورقةَ مُساومة؛ لكنّ الحاصل أن القطاع يُعانى حصارًا خانقًا منذ عشرة أيام، ونفدت الحاجات الأساسية لآلاف السكان، وخزَّانات الوقود فى المستشفيات على وشك الجفاف، وشكاوى الصليب الأحمر والصحة العالمية والأونروا وبرنامج الغذاء العالمى لا تنقطع، وتتواتر مُطالبات العواصم الإقليمية والاتحاد الأوروبى وعشرات المُنظمات الحقوقية؛ بينما كانت إسرائيل تتشدَّد فى صياغة «أمثولة التنكيل» ضمن مُخطّطٍ، يرمى على ما يبدو إلى استعادة سُلطة الردع، وإلى إرهاب الغزّيين من مُحاولات تكرار «طوفان الأقصى»، وربما التطلُّع إلى أن يكون المدنيّون جدارًا فى وجه المقاومة مُستقبلاً، بدلاً من أن يكونوا رصيدًا احتياطيًّا أو ظهيرًا داعمًا لها.. الأزمة أن الدولة العبرية ترفض استيعاب دروس العقود السبعة الماضية؛ إذ لم تُفضِ الغطرسة وسياسات «الأبارتيد» إلى تفريغ فلسطين التاريخية من ناسها، أو انطفاء القضية فى صدورهم. وتتفرَّع عن ذلك إشكاليةٌ أعمق، أن إسرائيل ربما تعرف كيف تبدأ المعارك؛ لكنه ثبت على امتداد التاريخ أنها لا تُجيد إنهاءها، أو تُجبَر على نهاياتٍ فى غير صالحها: احتلَّت سيناء وتشدَّدت فى إزهاق مُبادرات السلام، ثم تركتها بمرارةٍ لم تغادر فمَها إلى اليوم، ودخلت لبنان مُتخيّلةً أنها مُجرّد شهورٍ فغرقت فيها عشرين عامًا، ثم غادرت بانكساراتٍ مُذلّة، وتُدير «صدامًا صفريًّا» اليوم فى غزّة، ولا تعرف إلى أين تمضى بها الوقائع والسيناريوهات.
الغابةُ مُشتعلة، وليس ثمّة ما يضمن ألّا تنتقل النار من غصنٍ لغُصن. هدَّد وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن صراحةً بالتدخُّل لردع أيّة دولة تُحاول التصعيد، ولأجل هذا كان الحضور المُباشر بحاملتى طائرات وسفنهما المُرافقة، وحذَّر «ماكرون» قادة المحور الشيعى برسائل لا تقبل التأويل. فى المُقابل تبدو مواقف الطرف الآخر غامضةً ومُثيرة للريبة: أنكروا علاقتهم بهجمة حماس أوّلاً، ثم دافعوا عنها، وقال مسؤولون رفيعو المستوى إنهم لن يدخلوا على خطّ الحرب، بينما قال آخرون إن «أيادى كل الأطراف على الزناد».. يُهدِّد فريق «وحدة الساحات» بأن المضىّ فى خنق غزّة أو إبادة حماس قد يكون اللحظة الحرجة التى يُبادر فيها للاشتباك، وفى المقابل يسير مُخطّط «الاجتياج البرى» إلى محطّة الإنفاذ؛ ربما يتعطَّل لبضعة أيام بسبب رغبة واشنطن فى إخراج رعاياها، ومن وراء ذلك إفساح ممرَّات إنسانية لتعويض مخزون جهات الإغاثة بالقطاع، بما يُبقى المدنيّين تحت سقف الحياة، ولا يقلب الثأر الإسرائيلى المسعور إلى عملية إبادة جماعية مُكتملة الأركان.
كلّ إسرائيل ترغب فى اقتحام غزّة؛ لكن بعضها خائفون من التبعات. المنطق يقول إن الفصائل التى أجادت تكتيكيًّا ولوجستيًّا وبشريًّا فى «طوفان الأقصى»، تأهّبت بالضرورة للغزو. بل إن الآراء باتت أقرب إلى أن «مصيدة القطاع» المُرتقبة من مُكوّنات العملية، وأن المقاومة نفّذت ضربتها بتلك الشراسة، واختطفت العشرات، من أجل إجبار جيش الاحتلال على التوغُّل والاصطدام بمُقاتلى الأنفاق والأكمنة الملغومة. ورقة الأسرى يبدو أنها احترقت، وأن حكومة نتنياهو فعّلت «بروتوكول هانيبال» سرًّا؛ حتى أنها لا تتوقف عن الضربات الهوجاء، و«حماس» نفسها قرأت ذلك فألقت جثث ثمانية قتلى منهم على أطراف غزّة، رغم أنه فى سياقات سابقة كان يُمكن التفاوض على تلك الجثث بمئات المُعتقلين الفلسطينيين. الآن يُعاد النظر فى الحسابات: ترميم الكرامة الجريحة يتطلَّب عملاً برّيًّا شرسًا، لكن من آثاره المحتملة أن يتبدَّد التعاطف الدولى، وقد ترتفع فاتورة الخسائر بمزيدٍ من القتلى والأسرى ومذبحة للآليات، وإن كان نزوح السكان وتدمير المبانى يُوفّران ميدانًا مكشوفًا للجيش؛ فإن ذلك فى صالح المُقاتلين الغزّيين أيضًا، ولا يخلو الأمر من التورُّط فى «فخّ الاحتلال طويل المدى» مع ما فيه من نزيفٍ لن ينقطع.
شراسةُ الهجمة الإسرائيلية، والتشدُّد فى إحكام الحصار على القطاع؛ إنّما يُعبّران عن عجزٍ حقيقى فى إدارة المواجهة. إن كان من مكاسب المقاومة تدمير الوضع السياسى الراهن، وتحييد فتح ومنظّمة التحرير؛ تمهيدًا للسيطرة على الساحة وحضور فلسطين دوليًّا، وبجانب ذلك تعطيل التطبيع السعودى وتحرير أجندة الحلف الشيعى؛ فإن السياق لم يُفصح عن أيّة مكاسب فعليّة لتل أبيب. العملية البرّية محاولة لتعويض الفشل؛ بينما ينتظرها المقاتلون لتأكيد النجاح؛ وهكذا يبدو الصدام المُباشر مصلحةً مطلوبة من الطرفين، وإعلاء السلاح على السياسة يُقنع الفصائل ورُعاتها، بقدر ما يُشبِع نهمَ الحكومة الصهيونية المُتطرّفة بأجندتها التوراتية، أو حتى بتعديلاتها الطارئة، وقد ضمّت «بينى جانتس» أحد أشدّ الداعمين لاجتياح غزّة، وكانت له مُحاولة سابقة قبل سنوات. عمليًّا حبست إسرائيل نفسها فى الركن الضيّق؛ حتى لم يعد مهرب إلّا أن تُعلن الحرب، وتدفع بوحداتها المُتراصّة على الحدود؛ وكلّما استشعرت خطورة ذلك وارتعبت من احتمالاته المُتوقّعة، زاد تشدُّدها فى إغلاق المعبر وتعطيل المُساعدات؛ لإضعاف معنويات الغزِّيين وأبدانهم، ورفع وتيرة النقمة على مُقاتلى «حماس والجهاد» لحرمانهم من الغطاء الشعبى.
عيّنت واشنطن مبعوثًا للمسألة الإنسانية، ويصل مُمثّل أُممى إلى المنطقة اليوم تحت نفس العنوان، وسبق أن أدانت الجامعة العربية والاتحاد الأفريقى خطط التجويع والتهجير فى بيانٍ مشترك، ويُحتمَل أن يهبط «بايدن» فى تل أبيب بحلول الجمعة، وكل المُؤشّرات تذهب إلى أن الحرب البريّة قد تتأخّر أيامًا؛ لكنها واقعة لا محالة، وسيسبقها بالضرورة فتح ممرّات آمنةٍ لإيصال المساعدات وإخلاء الجرحى من الحالات داهمة الخطورة؛ مهما ماطلت إسرائيل وتشدّدت فى الرفض.. لن يتوقّف الجنون طالما ظلّ الاحتلال مُتمسّكًا بسرديّة المظلومية، وظلّ الغرب على استحسانه لحفلة الشواء العامرة بلحم الفلسطينيين؛ لكن العبء آخذٌ فى الانتقال لبيئاتٍ أخرى: تحذيرات من قنابل وهجمات فى فرنسا، ومُسنٌّ أمريكى يقتل طفلاً فلسطينيًّا فى ولاية إلينوى بـ26 طعنة، وزيادة قياسية فى مُكالمات ورسائل تهديد المُسلمين، وآفاق سوداء لمزيدٍ من العنف والعمليات الانتقامية.. لم يُعد الأمر اختبارًا أخلاقيًّا للغرب والبيئة الدولية ومنظومة العمل الأُممية، فقد أخفقوا جميعًا؛ لكنه تحدٍّ مُباشر لاستعادة الصراع إلى الحلبة القانونية، وعدم المُغامرة بأن ينفلت إلى مستوياتٍ لن يحتملها المُهلّلون للوحشية الصهيونية الآن.. فتح المعبر ووصول المساعدات بداية التعقُّل، وبحث التهدئة سيكون الدواء المُخفّض للحرارة. تبييض غزّة مُستحيلٌ تمامًا، واجتثاث حماس ليس سهلاً كما يتخيّل نتنياهو، والقتل بالتجويع لا يختلف عن القتل بالقذائف؛ وإن اختارت إسرائيل أن تكون دولة تطهيرٍ عرقى بمُمارساتٍ نازية؛ فلا مُبرّر إطلاقًا أن ينفخ قادة الغرب فى النار، أو أن يقفوا بوّابين على «أفران نتنياهو».