مع الاعتراف بأن الحرب الحديثة، فى جزء منها تقوم على الصور، ويمكن أحيانا التلاعب بالصور من قبل المعتدى والقاتل، فإن الحرب على غزة يبدو أنها لا يكفى معها تزوير الصور من قبل المعتدين، فالضحايا من الأطفال والنساء والمدنيين بالآلاف، يصعب التعتيم على صورهم، وهو ما يدفع الدول الكبرى للتخلى عما تردده وترفعه من شعارات، لتعود إلى نموذج الحجب والتزييف لمنع وصول الحقيقة.
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التى يتخلى فيها ساسة الدول الكبرى فى الولايات المتحدة وأوروبا عن الحقيقة، ويمارسون ازدواجيتهم بكل وضوح، وينحازون ضد كل المبادئ التى يعلنونها عن الحرية والضمير والأخلاق، فقد كان العدوان على غزة مثالا لسقوط أخلاقى عميق وانحيازا ضد الحقيقة، فقد رفضت سلطات الدول الكبرى فى البداية أى تظاهرات أو تعبير عن التعاطف مع آلاف الضحايا المدنيين فى غزة، وحرص الإعلام الغربى فى البداية على ترويج صور مبالغ فيها، وأكاذيب عن ذبح أطفال إسرائيليين، وعندما علموا الحقيقة تقاعسوا عن نشر صور الأطفال الغزاوية ضحايا القصف.
يتخلى المسؤولون فى الإعلام الغربى عن مهنيتهم و«حقوقيتهم» ومبادئهم عندما يتعلق الأمر بأطفال أبرياء ماتوا تحت الركام، ومستشفيات تم قصفها، بل تجاهلوا كل من يريد التضامن مع آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى من الأطفال والنساء والمدنيين فى غزة، الذين يواجهون حرب إبادة وتجويع وحصار، بينما يتفرج العالم «الأبيض» .
ويكشف العالم الافتراضى السيبرانى، عن انحياز آخر وفج ضد الضحايا والحقيقة، حيث يتم حذف أى بوستات أو تويتات لا تتناسب مع المزاج العدوانى وحرب الإبادة، بل إن خوارزميات فيس بوك أصبحت صديقة للاحتلال، وأغلب مستخدمى الموقع أصبحوا يواجهون عدم انتشار بوستاتهم المتعاطفة مع المدنيين، أو صور الدمار والأطفال والنساء الذين تم قتلهم بقلب بارد ورصاص محرم.
وفى مواجهة انحياز «ميتا» وأخواتها، تفنن المستخدمون فى تقديم نصائح للمستخدمين ليواجهوا الحجب والحظر والمنع، من خلال استعمال حروب بلغات مختلفة، ليمرروا الحقيقة، فى مواجهة منصات التواصل الاجتماعى، مثل فيسبوك وجوجل وX «تويتر سابقا»، التى تتبع سياسات متحيزة تجاه المحتوى الداعم لضحايا العدوان الإسرائيلى، وتتم إزالة المنشورات التى تعبر عن الدعم للشعب الفلسطينى، ويواجه المتعاطفون مع الحقيقة تحديات كبيرة للتعبير عن تعاطفهم عبر المنصات الرقمية، ويضطرون إلى مواجهة خطوط حمراء مفروضة عليهم، حيث قد يتم حجب حساباتهم أو حذف منشوراتهم، وهذا يفرض عليهم البحث عن وسائل بديلة للتعبير عن آرائهم، حسب التقرير الذى كتبه زميلى مؤنس حواس فى «اليوم السابع»، حيث «اعترفت شركة ميتا أنها تزيل الثناء والدعم الجوهرى لفلسطين من منصاتها، وتحذف جميع المنشورات التى تحتوى على صور وفيديوهات تظهر حجم الدمار وصور القتلى وصوت الانفجارات، واستعرض «حواس» طرق مواجهة التعنت والحجب والحذف.
الحرب على غزة أحد النماذج الواضحة لهذه الازدواجية وتوظيف حقوق الإنسان للتلاعب، والانحياز الواضح ضد الحقيقة، وتحويل أبطال من ورق إلى نماذج، ثم هدمها، وخير مثال حالة ناشط مصنوع، اعتاد نشر ادعاءات باضطهاد الأقليات فى مصر، وأكاذيب تصب فى صناعة فتنة طائفية، على غير الحقيقة وعندما واجه التحقيق تم تحويله إلى «أيقونة» حقوقية حرياتية، وتم منحه الجنسية الإيطالية والاحتفاء به، لكن نفس الشخص عندما كتب تويتة يصف فيها نتنياهو بأنه قاتل، تم إلغاء كل الترحيب، ومنعه من المشاركة فى فعاليات «احتفائية»، ومنع كتابه الذى يدعو فيه إلى الفتنة من المشاركة فى معرض، نحن أمام قصة كاشفة عن توظيف «الحقوقية والسلاماتية» من أجل التوظيف وليس من أجل الحقوق، فالرجل «الأبيض» ينحاز إلى القتل والاحتلال والعدوان والإبادة فى غزة، ويواجه من ينطق ضد هذا.. طبعا من ساهموا فى صنع «أيقونته الوهمية» لا يتطرقون إلى أن كتابه المزعوم كان استمرارا لهجوم وادعاء.
نفس الأمر مع هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى»، التى فتحت تحقيقا مع الصحفيين والإعلاميين المنتسبين لها، لأن بعضهم تعاطف مع المدنيين ضحايا العدوان الإسرائيلى، أو طالبوا بمساواة المدنيين فى الجانبين، حيث يسعى كثير من الإعلام الغربى إلى اعتماد الرواية الإسرائيلية تجاه العدوان على غزة، وتبرير الإبادة والقتل والحصار، كل هذا فى غلاف من المهنية التى تساقطت تحت القصف الإسرائيلى، وحيث تختفى المهنية والادعاءات عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
وصحف أوقفت رسامين، أو فصلت محررين لمجرد شبهة عدائهم للسامية أو بمعنى أصح للعدوان، وبالتالى فقد كان من بين ميزات الأزمة أنها تكشف عن ازدواجية، وانحياز ضد الحقيقة، طالما لم تكن فى صالح رؤيتهم وحليفتهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة