ما حدث من معرض فرانكفورت الدولى للكتاب، يعيد إلى صدارة الذاكرة العربية والشرقية الجملة المهمة التى لا تغيب كثيرا عن الأذهان "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا"، والتى قالها الكاتب والشاعر والقاص الإنجليزى روديارد كبلنج (1865 – 1936) فى نهاية القرن التاسع عشر ويجعلها مقولة لا تموت، مع كل حدث يكشف فيه الغرب عن وجه الانحياز السافر ضد قضايا العرب والشرق، وتجسد واقعا قديما متجددا من موروثات العلاقة الاستعمارية والتى تعكس حالة العداء الدائم الساكن رغم ما يبدو من ظاهريا من "هدنة" تاريخية ومصالحات حضارية صورية و"عناق" لا يدم كثيرا مع كل حدث يتصادم فيه الطرفان.
معرض فرانكفورت هو أكبر تظاهرة دولية ثقافية تعنى بالكتاب والأدب بصفة عامة، ويعد الأهم فى العالم والأقدم، حيث يبلغ عمره الآن أكثر من خمسة قرون، ويلتقى فيه سنويا عشرات الآلاف من المثقفين والكتاب والباحثين والناشرين من كل البلدان، علاوة على عشرات الألوف من عناوين الكتب من كل الثقافات.
وكان من المفترض أن تمثل الثقافة -وفرانكفورت أحد أدواتها- جسرا بين الشعوب لبناء وترسيخ ثقافات السلام والمحبة والمساواة، وأداة مهمة لعلاج ما تفسده السياسة والسلاح، لكن إعلان إدارة معرض فرانكفورت دعمها لإسرائيل وقراراها بإلغاء تكريم الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلى الفائزة بجائزة الأدب الألمانية التى تمنحها وزارة العلوم والفنون، وذلك عن روايتها "تفصيل بسيطة" المترجمة من العربية إلى الألمانية تضامنا مع الكيان الصهيوني، زلزل جسور التفاؤل فى عدالة الثقافة فى وجه السياسة والعدوان والبطش وحقوق الشعوب المغلوبة على أمرها فى كفاحها المشروع للتحرر من الاستعمار والاستيطان.
غاب العقل وانهارت العدالة الزائفة لأكبر وأقدم معارض الكتب فى العالم أمام الحرب على غزة، واصطفت الثقافة الألمانية إلى جوار السياسة المنحازة والداعمة للعدوان والحرب على غزة والشعب الفلسطيني.
لذلك جاء الرد على قدر الصدمة وكانت البداية من هيئة الشارقة للكتاب التى أعلنت انسحابها من معرض فرانكفورت اعتراضا وغضبا من موقف إدارته لدعم إسرائيل وإلغاء تكريم كاتبة فلسطينية، وهو ما يعتبر تحيزا سياسيا وإلغاء لدور الحوار الذى تشجعه الثقافة.. وهو موقف محترم وشجاع، وتبعه إعلان اتحاد الناشرين العرب واتحاد الناشرين المصريين بالانسحاب من المشاركة فى المعرض فى دورته المقبلة خلال شهر أكتوبر الجاري،
وأصدر الاتحاد العربى بيانا أكد فيه على وقوفه مع القضية الفلسطينية فى ما يتم ضده من الكيان الصهيونى من أعمال عنف وإبادة، وترحيل للأسر الفلسطينية فى غزة واستخدام كافة وسائل التدمير والعنف، مخالفا بذلك لكافة الأعراف والقوانين الدولية وحتى أثناء الحروب. وأعرب عن أسفه لموقف المعرض من القضية الفلسطينية والذى لا يعكس على الإطلاق العلاقات العربية الاستثنائية التى تطورت على مر السنين بين إدارات معرض فرانكفورت للكتاب والناشرين العرب.
الفجوة كبيرة حتى يلتقى الشرق والغرب على جسور الثقافة من جديد.. فالصدمة مدوية والاستفاقة منها ربما تستغرق وقتا وزمنا طويلا والمواقف باتت كاشفة وواضحة والانحيازات سافرة وتدعم حالة التطرف ضد كل ما يمثله الغرب، والعودة إلى "حوار الحضارات" الصورى بدوره يحتاج إلى علاج قد يطول.
مواقف اتحادات الناشرين العربية وهيئات الكتب تستحق الإشادة، ولكن حتى يكتمل الموقف ينبغى الإعلان فورا عن قرار لاتحاد الناشرين العرب بدعوة الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلى وتكريمها فى أقرب معرض عربى للكتاب فى الشارقة أو معرض القاهرة الدولى للكتاب أو إقامة احتفالية خاصة تحت رعاية جامعة الدول العربية والتكفل بطباعة روايتها وتوزيعها فى كافة الدول العربية بأسعار رمزية.